الحمد لله الذى أمر عباده أن يتعاونوا على البر والتقوى ز ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان ، وأشهد أم لاإله إلا الله ، رب المستقدمين والمستأخرين ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، منة الله على المؤمنين ، ورحمته للناس أجمعين اللهم صلى وسلم عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين ، أما بعد ،،،،، فيا عباد الله : إنكم تقرؤون فى تاريخ الأمم ، وتشاهدون من أحوالها ما تعلمون منه أن الناس يتحاربون فى كل عصر ، وفى كل صقع من الأرض ، وتعجبون من أنهم كلما صعدوا فى سلم الحضارة زاد إفتنائهم فى إختراع وسائل الحرب ، والتخريب والتدمير ، وهم لا يبتغون من الحرب إلا بسط السلطان ، وتوسيع الملك ، وإشباع النهم إلى الشهوة والمجد ، وإستبعاد الضعفاء ، والإستئثار بخيرات بلادهم وطالما ترددت الدعوات إلى الإسلام ، فأعرض الناس عن سماعها ، كأنما كتب عليهم ألا ينعموا بسلام دائم أيها المسلمون : من السهل بعد هذا التمهيد أن تتبينوا عظمة الإسلام ، لأنه دين سلام ، يؤثر السلم على الحرب ما وسعه الإيثار ، فإذا لم يكن من الحرب بد لحماية العقيدة ، وصيانة الحياة ، أو الدفاع عن الوطن ، فإن الإسلام يدعو المسلمين فى هذه الحالات إلى أن يحاربوا ، وإلى أن يلقوا الشر بمثله ، والسبب فى هذا أن الإسلام يدعو إلى المثل الأعلى فى جميع الصلات والمعاملات ، فإذا لم ينجح المثل الأعلى لجأ الإسلام إلى العلاج الذى لا ينجح سواه ، مراعاة للواقع ، ومجاراة للأحداث عباد الله : لا غرابة فى أن يكون الإسلام دين سلام ، والقرآن الكريم يصف المؤمنين المتقين بالتسامح والمسالمة فى قوله تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) سورة الفرقان آية 62 ويسمى القرآن الكريم الجنة دار السلام : ( لهم دار السلام عند ربهم ) سورة الأنعام آية 127 ويجعل التحية فيها سلاما : ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ، وأعد لهم أجرا كريما )سورة الأحزاب آية 44 ويبشر الأتقياء بأن الملائكة ستحييهم فى الجنة بالسلام : ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ن ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) سورة النحل آية 32 ثم إن كل مسلم يقول فى تشهده كل يوم مرات : السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثم يختم كل صلاة بالسلام أيها المسلمون : إرجعوا إلى تاريخ الإسلام فى عهده الأول تجدوه قد قام على الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ودعا إلى السلام ، فأبى أعداؤه إلا الحرب والخصام ، فصبر النبى والمسلمون على الأذى ، فلما لم يزدد المشركون إلا طغيانا وعدوانا لم يكن للمسلمين مندوحة عن الحرب ليحموا عقيدتهم وأرواحهم ، إستجابة لدينهم الذى يدعو إلى السلام ما إتسع الأمل للسلام ، ويأمر بالقوة والدفاع والإستعداد للحرب إذا لم يكن بد من الحرب ، قال تعالى :( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) سورة الأنفال آية 60 وقال سبحنه : ( فمن اعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم ) سورة البقرة آية 190 عباد الله : إذا كان ديننا الحنيف قد أباح الحرب بعد اليأس من المسالمة فإنه قد سن من التشريع الحكيم الرحيم ما يضيق ميدانها ، ويكفل حرمات الإنسانية ، ويرعاها أتم رعاية فليس للحرب هدف إلا الدفاع عن الدين والوطن والحياة ، وهذا الدفاع يتحقق بإتقاء الخطر الواقع أو الخطر المتوقع ، ولهذا لم يحارب المسلمون إلا ليردوا العدوان ، ولم يشهروا سيوفهم إلا بعد اليأس من مسألة أعدائهم ، مقتدين بنهى القرآن الكريم عن العدوان ، حتى على الأعداء الذين ظلموا المسلمين من قبل ، قال تعالى :(وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) سورة البقرة آية 194 فالحرب لإعلاء دين الله الذى إرتضاه ، وليست للسيطرة ولا للإحتكار ، ولا للغنائم والأسلاب ، وفى ختام الآية الكريمة تحذير من الإعتداء لأن الإعتداء بغيض إلى الله كذلك نهى القرآن الكريم عن قتال من أعلن مسالمته وإن توقع المسلمون من محاربته منافع مادية ، فقال تعالى :( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ، تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ) وقد جرى المسلمون على هذا فكانوا يبعثون إلى البلد الذى يريدون فتحه شروطا للصلح قبل أن يحاربوه ، كما فعل عمرو بن العاص مع أهل غزة حينما حاصرها ، وكما فعل مع أهل مصر ، إذ عرض عليهم الحرية الدينية والعدالة الشاملة وإذا جنح الأعداء إلى السلام كان على المسلمين أن يسالموهم ، وإذا ما رغبوا فى الهدنة كان على المسلمين أن يهادنوهم ، على شرط ألا يكون فى هذا إهدار لحق من حقوق الله ، أو تعويق للدعوة عن الذيوع ، قال تعالى :( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم ، فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) سورة النساء آية 90 وقال تعالى :( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) سورة الأنفال آية 61 ولقد نظر الإسلام إلى السلام على أنه الأصل فى علاقات الجماعات ، ونظر إلى الحرب على أنها عمل طارئ موقوت ، ولهذا حصر شرورها فى أضيق مجال ، فلا يصح أن تتعدى المقاتلين إلى المسالمين الذين لا يحاربون كالشيوخ والأطفال والعجزة والعباد المنقطعين لعبادة الله ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فى غزوة ، فمر بإمرأة مقتولة ، فوقف وقال : ما كانت هذه لتقاتل ، وفى يوم الفتح أمر أحد المسلمين أن يلحق بخالدى بن الوليد ويقول له : لا تقتلن ذرية ولا عسيفا ( أجيرا ) ولا إمرأة ، وأمر المسلمين بألا يقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا إمرأة وقال لهم : ( اخرجوا بغسم الله ، فقاتلوا فى سبيل الله من كفر بالله ، لا تغدروا ، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع ، ثم سار خلفاؤه على سنته ولا يجوز للمسلمين أن يجيعوا أعداءهم أو يقتلوا سفراءهم ، أو يعتدوا على المستأمنين فى ديار المسلمين من رعايا الدولة المعادية أيها المسلمون : كفل الغسلام للمغلوبين حريتهم الدينية ، فلا إكراه ولا إجبار ، وكيف يتصور أحد أن الغرض من الجهاد كان الإجبار على الإسلام ونبى الإسلام عليه الصلاة والسلام مخاطب بقوله تعالى :( لست عليهم بمسيطر ) سورة الغاشية آية 12 ويقول تعالى :( ادع غلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ) سورة النحل آية 125 نعم إن المسلمين لم يستغلوا إنتصارهم لغكراه الناس على أن يسلموا ، لأنهم يدينون بأنه لا إكراه فى الدين ، ولأن نهم يعلمون أن الإسلام من قوته الذاتية ما يفتح له القلوب ، ويشرح الصدور ، فقد ذاع فى مكة ، والنبى وأتباعه قلة ، لا يملكون من وسائل القوة ما يحمون به أنفسهم من الذى ، ثم ذاع فى المدينة قبل أن يهاجر النبى إليها ، وتعهد الذين أسلموا بحماية النبى ونصرته غذا هاجر إليهم ، ثم إستمر ينتشر بقوته الذاتية فى كل عصر ، حتى فى العصور التى ضعف فيها المسلمون ، ويكفى أن نضرب المثال بالأتراك السلاجقة فى القرن الخامس ، وبالمغول فى القرن السابع ، إذ تغلب هؤلاء وأولئك على المسلمين ، لكنهم سرعان ما إعتنقوا دينهم ، وصاروا من أتباعه المخلصين وإنه ليسترعى الأنظار بعد ذلك أنه لما فقد المسلمون قوتهم وسلطانهم كان دعاة الإسلام يحملونه إلى أواسط إفريقيا ، وإلى الصين وجزر الهند الشرقية لقد شرع الإسلام أعدل النظم وأرحمها فى معاملة المغلوبين ، وفى معاملة الأسرى والسبايا أيها المسلمون : إن التاريخ ليقص فيما يقص من أنبائه الصادقة أن العالم القديم كان يئن من عسف الحكام ، ومن مظالم الإضطهاد الدينى ، فلما جاء الإسلام بسماحته وعدالته رحب العالم به لأنه وجد فيه ملاذه وأمنه وسلامته وإن الإسلام الذى يدعو إلى القوة يدعو إلى السلام ، فلا جبروت ولا طغيان ، ولا ذلة ولا إستسلام ، فهو خير الأديان ، وخاتم الأديان
|