
السنوسي محمد السنوسي
"هددت سوزان ثابت -زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك- الولايات المتحدة الأمريكية أنه في حال صمتها على مطالبة النيابة بإعدام زوجها؛ فإنها ستفضح الأسرار الخفية للمصالح الأمريكية في مصر.
وقد كشفت سوزان مبارك -في فاكس أرسلته لأعضاء بالكونجرس الأمريكي- أنها "على علم بطريقة تجسس المخابرات المركزية الأمريكية على زوجها"..
كان هذا مقدمة الخبر الذي حظي بـ"الأعلى قراءة" في موقع "بص وطل" حين نشره الموقع يوم السبت الماضي؛ نقلا عن صحيفة "روزاليوسف اليوم".
"الهانم" حاولت في الفاكس أن تشير إلى الجمايل التي فعلها مبارك مع الأمريكان بشهامة ابن البلد!! وكأنّ الأمريكان ينسون حلفاءهم، أقصد: عملاءهم!!
وعلى عكس روزاليوسف، التي وصفت أسلوب سوزان في الخطابات بـ"الاستراتيجي ذي الطابع التهديدي"؛ فأنا أرى أنه أسلوب أقرب إلى أساليب "الشحاتة" والتسول، واستدرار العطف والحنان من "السيد" حين يغضب على "خادمه" ويهدده بالطرد إلى الشارع.. لكنه هذه المرة ربما يفضِّل أن يتركه يذهب إلى حبل المشنقة، وليس مجرد الطرد.
واضح أن سوزان "هانم" تخوض التجربة مع الأمريكان لأول مرة؛ ولذلك فهي معذورة حين لا تعرف القدر الكافي عن الأمريكان وطريقة تعاملهم مع عملائهم؛ حتى لو كان هؤلاء العملاء برتبة "رئيس جمهورية سابق".
وواضح أيضا أن "الهانم" نسيت أو تتناسى الدرسَ القاسي الذي لقّنه الأمريكان لأكبر عملائهم في المنطقة وهو الرئيس الإيراني الأسبق؛ أقصد الشاه محمد رضا بهلوي؛ حيث رفض الأمريكان حتى مجرد استضافته للعلاج، ولم يجد له مأوى إلا أرض مصر الطاهرة في رحاب صديقه السادات، وهو الأمر الذي زاد من حدة الغضب الشعبي على السادات؛ لأنه آوى طريد الثورة الإسلامية الإيرانية، التي استطاعت وقتها أن تستحوذ على عواطف ملايين المسلمين.
الأمريكان -عكس دول استعمارية أخرى- يلعبون مع عملائهم "على المكشوف"، لا تهمهم المساحيق ولا لغة الدبلوماسية إلا بالقدر الذي يُقرّبهم من هدفهم؛ لأنهم أصحاب "حضارة" تقوم بالأساس على مفهوم القوة، و"مَنْ يسحب مسدسه أولا"، و"البقاء للأقوى".. وهي المفاهيم التي يجسدها البطل في أفلام الكاوبوي بكل دقة.
الحضارة أو الدولة التي تقوم على منهج "الإبادة" وليس فقط الأبارتهيد (الفصل العنصري مثل جنوب أفريقيا) لا يمكن أن تكون الأخلاق أو الوفاء ضمن تفكيرهم أو حتى خاطرهم؛ فالأمريكان أقاموا دولتهم على جثث الملايين من الهنود الحمر..
البراجماتية عندهم هي الأساس، والقوة هي الوسيلة، وتحقيق المصلحة الأمريكية هو الغاية.. وما دون ذلك ليس له أي قيمة إلا بقدر قربه من هذه الدوائر.
ولذلك لا أستبعد أن يتدخل الأمريكان لإنقاذ "صديقهم" أو لتخفيف الحكم عليه؛ ولكن ذلك إن حدث فلن يكون من موقع الوفاء واحترام تاريخ الصداقة بينهما؛ بل من موقع الحفاظ على سرية المصالح الأمريكية.. طبعا محاولة الأمريكان التدخل لا يعني بالضرورة أنهم سينجحون.
لو أن "الهانم" سوزان عايزة دليل آخر على أن الأمريكان يتعاملون "عيني عينك" مع "حلفائهم"؛ فعليها أن تسأل ويكيليكس؛ ففيها مئات وآلاف بل ملايين الأدلة على أن الأمريكان لا يعنيهم ما نسميه نحن "فضح" عملائهم، أو كشفهم؛ فقد سرّبوا وثائق كثيرة ترتبط برؤساء ومسئولين لا يزالون في سدة الحكم؛ حتى تركيا نشروا وثائق عن علاقاتهم الخاصة معها.
وأنا لا أتصور أبدا أن يكون نشر هذه الكميات الضخمة من المراسلات الأمريكية في موقع ويكيليكس مجرد تسريبات أو خبطة صحفية أو سبقا إعلاميا؛ فهذه المصطلحات يمكن أن تُقال في شأن وثيقة أو وثيقتين أو عددا محدودا؛ وليس ملايين الوثائق، وليس في وثائق من نوع "السرية جدا".
وعلى العموم فوثائق الويكيليكس، أو خطاب "الهانم" سوزان للأمريكان عبر الفاكس، لم يضيفا لنا شيئا عن العلاقة الأمريكية المصرية "السرية"؛ لأننا وإنْ لم نطّلع من قبل على التفاصيل؛ فقد لمسنا واكتوينا بالنتائج..
فقد كان من الواضح لدى كل من له أدنى حب لمصر، أن ما فعله مبارك بمصر وشعبها وحضارتها وثرواتها لا يقوم به إلا شخص باع ضميره، وفَقَد أي إحساس بمعنى الوطنية، ولم يضع أمامه إلا مصلحته هو وعائلته.. ثم بعد ذلك تأتي سوزان "هانم"، وتقول إن فكرة التوريث كانت فكرة أمريكية-إسرائيلية بالأساس؛ وكأنّ تلك الفكرة لم تلقَ هوىً لديها، ورغبة مكتومة عندها.. يا ست انكسفي على دمك!!
نفسي ومُنى عيني أشوف وش "الهانم"، وهي تتلقى فاكسا من الأمريكان يردون فيه بكل بجاحة: مابنتهددش!!