يبدو كأنه يغرد خارج السرب دائما، فتصريحات القيادي الإخواني محمد البلتاجي – أمين عام حزب الحرية والعدالة – تبدو دائما أقرب للثوار ولميدان التحرير منها للخطاب الإخواني الرسمي، فالرجل يؤيد الثوار على طول الخط ويطالب مثلهم برحيل العسكر السريع واختصار الفترة الانتقالية، كما يطالب بانتخاب الرئيس قبل وضع الدستور، ويعلن قلقه من استمرار العسكر في السلطة، ويرفض بشدة حصولهم على أية امتيازات، كما أن البلتاجي تعرض لتهديدات بالقتل بسبب موقفه الحاد من العسكر، ومن قيادات الأجهزة الأمنية التي هاجمها وكان له الدور الأكبر في مثولها أمام البرلمان وتوجيه الاتهام إليها، كما أعلن مرات عدة عن أن المتسبب في أعمال العنف في مصر ضد الثوار هو جهاز مخابرات مبارك.
حاوره: صلاح الدين حسن
إسلام أون لاين ـ القاهرة
- ما تحليلكم للمشهد الجاري الآن في مصر؟
ما زال المشهد مخترقا لمصلحة من يريد أن يفتعل الأزمات في هذا الوطن، ولمصلحة من يريد استمرار إشعال الحرائق حتى يجعلنا أمام حالة من الفوضى غير المسيطر عليها، لاضطرارنا أن نقبل بما لا نريده.. الأحداث هي هي، والذي حدث يوم 28 يناير 2011 من إحراق أقسام ومديريات الأمن وفتح للسجون والتهديد بالفوضى والقناصة لتصدير حالة من الفوضى العامة التي خرج حسني مبارك وبشر بها، وقال "أنا أو الفوضى من بعدي”، هذا المسلسل كان موجودا قبل الجمل وفي أحداث البالون وماسبيرو والسفارة الصهيونية ومحمد محمود ومجلس الوزراء والداخلية وبورسعيد..كل هذه الأحداث تعطينا مساحة من الاستفزازات المقصودة.. وما حدث مؤخرا في أحداث بورسعيد يؤكد أن هذا منهج مخطط له لخلق حالة من الاستفزاز، يصعب أن يقف الناس صامتين تجاهها، فينتج عن ذلك حالة غضب عامة واسعة تصاحبها حالة فوضى عارمة، وذلك في سياق حالات من السطو والخطف وإطلاق الرصاص في لحظات يندر تكرارها، يكون هناك عدد من القتلى والشهداء، فيكون هناك ردة فعل غاضبة تلقائية على هذه الحالة من نزيف الدماء.
أنا أو الفوضى
- وما الهدف من كل هذا ؟
عندما تتسع حالة الفوضى تعطي مبررا لأوضاع استثنائية، فيطالب الشعب بالأمن والأمان، وبالتالي يسمح الناس بمحاكمات عسكرية وبقاء حكم العسكري، لأن الناس تريد أن تعيش في أمن وأمان.
- من وراء ذلك؟
جهاز مخابرات مبارك ما زال يعمل حتى هذه اللحظة، ويخترق كافة المؤسسات ويدير الفوضى كما يخترق المشهد في الطرف الآخر، لأن هناك جمهورا من الشرفاء الغاضبين على نزيف الدماء.
- هل يريد هذا الجهاز إفشال الثورة ونكوص الثوار على أعقابهم ؟
ليس هذا بالضبط.. المطلوب أن نكتفي من الثورة ببعض التغيرات التي تمت، وأكثر من ذلك سيكون الفوضى..هناك تحالف الثورة المضادة الذي فيه قيادات أمنية ورجال أعمال، وهناك "بلطجة” منظمة كانت مرتبطة بقيادات أمنية في السابق وما زالت تعمل إلى الآن.
تنظيم البلطجية
- ومن المسؤول عن ترك هؤلاء يعملون بكل أريحية، ولماذا لا يتم القبض عليهم ومساءلتهم ؟
عندما حضر السيد وزير الداخلية إلى البرلمان أخبرته بأسماء محددة لبلطجية، وقلت له: هؤلاء هم تنظيم بلطجية النظام السابق، ففوجئ، وقال كيف عرفتهم؟ فقلت، هم زعماء البلطجية على مستوى القطر، فأين هم؟ قال نحن لم نستطع التوصل إليهم، قلت: إذاً فمن يشغلهم ؟ قال: لا أعرف. وأنا أقول لا يوجد شيء اسمه لا أعرف، لذا نحن في لجنة الدفاع والأمن القومي لن يهدأ لنا بال حتى نعرف من يقف وراء هذه الأحداث.
- هل تعرضت بالفعل لتهديدات بالقتل ؟
هذا أمر لا يشغلني كثيرا.. وهذا حدث بعد أن صرحت أننا سنستدعي قيادات الداخلية والمخابرات للسؤال.. والذي أريد أن أقوله إن هذه رسالة مرفوضة وسنستمر في رسالتنا وقد استطعنا أن نأتي بقيادات الداخلية واحدا واحدا ومدير الأمن العام وقائد الأمن الوطني وقائد الأمن المركزي والمخابرات العامة والمخابرات العسكرية والحربية والشرطة العسكرية، وسنضع الجميع أما السؤال البرلماني، وحق رقابي للبرلمان يقول : إما أن تقول من هو الطرف الخفي واللهو الخفي والطرف الثالث والأيدي الخفية وهذا الكلام الذي لم يعد مقبولا أو تذهب لتجلس في منزلك؟؟ هناك الآن برلمان يراقب..أي مسؤول لا يقدم معلومات واضحة، ولا يستطيع أن يجد من يقف وراء البلطجة المنظمة التي تشعل النار في كل مكان في الوطن، فليذهب ليجلس في بيته، وبشكل واضح، فخريطة البلطجية كانت طوال السنين الماضية معروفة في كل قرية وكل حي وكل مدينة.. خريطة محفوظة بالاسم، وتستخدم عند الطلب، وكانت تخرج لنا في الانتخابات والتظاهرات..من الذي يدير هذه البلطجة؟ هناك عقل يخطط من خلفية سيادية سابقة، هناك أفراد مازالوا موجودين، ومن أجل ذلك من أولوياتنا إعادة هيكلة وزارة الداخلية وتطهيرها، وهذا ما سنبدأ فيه من الآن، وانتهز الفرصة لأقول لكل مواطن مصري إن أية أفكار حول تطهير وزارة الداخلية أو أي شيء يصب في إطار إعادة هيكلة وزارة الداخلية على أعلى مستوى لآخر مستوى في صفوف وزارة الداخلية نحن في لجنة الدفاع والأمن القومي نرحب بكم في أن تأتوا إلى البرلمان، ونحن قد استدعينا بالفعل قيادات الداخلية، وسنراجع مع وزارة الداخلية خريطة تطهير وإعادة هيكلة الوزارة بالتخلص من كل العناصر التي لاتزال في هذه اللحظة لا تعمل لحساب الشعب المصري بعد الثورة، إنما لحساب رجال حسني مبارك.
الهروب من الاتهام
- جئتم بوزير الداخلية ولم يسقطه الاتهام، وقيل إن حزبكم كان وراء ذلك؟
هذا ليس صحيحا بالمرة..في الجلسة الطارئة تقدم 120 من أعضاء البرلمان لتوجيه اتهام للسيد وزير الداخلية باعتبار مسؤوليته عن الأحداث الأخيرة، وهذا الاتهام بالمسؤولية السياسية والجنائية وهذا هو الجديد في الأمر، وهذه آلية لم تستخدم في التاريخ المصري من قبل، لأول مرة يوجه اتهام سياسي من البرلمان ويأخذ صفة الاتهام والمحاسبة السياسية، وإذا ثبت هذا يتطور إلى المحاسبة الجنائية وفقا لقانون محاسبة الوزراء.
- متى تهتفون: يسقط حكم العسكر ؟
لسنا مختلفين على أن المجلس العسكري يدير مرحلة انتقالية، وليس له أن يحكم البلاد، وأن الذي قامت الثورة من أجله، هو أن تكون هناك سلطات مدنية منتخبة برلمانية، وحكومة ورئيس… في الشوط الأول من العام الماضي الذي كان فيه المجلس العسكري يستجيب لمطالب الثورة، استجاب لتنحية مبارك وعمر سليمان ومن بعده أحمد شفيق واستمرت الضغوط فقام بحل الحزب الوطني والمجالس المحلية واتحاد العمال وأعلن حل جهاز أمن الدولة، وفي الشوط الثاني اتضحت حالة من زوال القلق في المشهد العام، صارت تستحق أن نتريث لتكون هناك ضمانات انتقال كامل للسلطة من دون وصاية بعد انتخابات برلمانية..إذاً نحن نتحدث عن انتخابات رئاسية واختصار جدول زمني وانتقال سلطة، أقول بشكل فوري، لكن بشكل ديمقراطي دستوري.
انتقال واختصار
- ما هو الفرق بينهما ؟
أنا لست مع نقل السلطة، لا لمجلس الشعب، ولا لرئيس مجلس الشعب، ولا لمجلس رئاسي مدني، ولست مع أي إجراء في هذا السبيل، لأنه ببساطة شديدة، كما عشنا في انتخابات برلمانية شارك فيها 30 مليون مصري، نريد انتخابات رئاسية تبدأ من الشهر القادم، ويمكن أن تبدأ ليشارك 50 مليون مصري في انتخابات رئيس ويتابع العالم.. ويشعر الرئيس القادم بأن هذا الشعب هو الذي اختاره، ويستشعر هذا الشعب أنه هو الذي اختار رئيسه بإرداته الحرة، وبالتالي نؤسس لاستكمال الدولة المدنية الديمقراطية التي نسعى إليها بشكل طبيعي، وليس بشكل استثنائي، فرئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتني قد انتخبته جماهير المنيا كي يكون نائبا عنها في البرلمان، وانتخبه زملاؤه كي يكون رئيسهم هذا العام فقط في البرلمان.
- هل يعني ذلك أنك مع انتخاب الرئيس أولا ؟
أرى أن الوضع الطبيعي أن تتم الانتخابات الرئاسية قبل أن يتم الانتهاء من أعمال الدستور، وسيكون لدينا مساران يبدآن سويا، فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة، وتشكيل هيئة تأسيس الدستور وتأخذ الهيئة وقتها في التشكيل وفي أعمال الدستور، وتليها الانتخابات الرئاسية ثم ليوضع الدستور في وجود حكومة مدنية ورئيس مدني وبرلماني منتخب بشكل طبيعي.
- ويأتي رئيس من دون أن نعرف ما هي صلاحياته ؟
وهل حين شكلنا البرلمان كنا نعرف أن من حقه أن يشكل حكومة أو لا يشكل ؟ هذا وضع سيتحقق بشكل نهائي في الدستور الجديد..الأولى والأكثر طمأنة للشارع المصري الذي لديه قلق بشكل كبير وصريح وواضح، هو انتخاب رئيس..الشعب لديه حالة من القلق، نريد الأمن والاستقرار والاقتصاد، لكن نريد أن نعرف هل ستنتقل مصر إلى دولة مدنية ديمقراطية أم سيبقى العسكر يحكمون – سواء بشكل مباشر أم بشكل غير مباشر- من وراء ستار ؟
- هل لديك هذا القلق؟
بلا شك، ولكنني أتعامل معه بمسؤولية.. نطالب اليوم أن يرحل المجلس العسكري، ونحن لسنا متفقين ماذا سنفعل بعد ذلك ؟ البرلمان يناقش قانون انتخابات الرئاسة والبرلمان يريد أن يقول للعسكري هذا تشريع، فمن حق البرلمان أن يتعامل معه، فيراجعه البرلمان ويقر أو يعدل ما يراه من تغيرات ضرورية تبدأ في سياق ترتيب الانتخابات الرئاسية تتشكل هيئة تأسيس دستور تسير في مسارين ثم انتخابات رئاسية ثم نستكمل وضع الدستور.
مجلس بلا أظافر
- عندما رأى الشعب المصري رئيس المجلس سعد الكتاتني يجلس مع المشير ورئيس الحكومة، قال إن هذا المجلس لا يخرمش ولا يعض ؟
هذه الصورة خارج نطاق المزايدة والمكايدة السياسية بين الأطراف الموجودة في الساحة. أظن أن الذي وقف أمام المجلس العسكري في المادة 9 و10 من وثيقة السلمي، هم الإخوان بشكل اعتبره البعض حربا ضد المجلس العسكري، وكانت مليونية 18 نوفمبر، وبالتالي أن يظهر الكتاتني والجنزوري والمشير، فهذا أمر طبيعي، لأن مصر الآن يحكمها طرفان رئيسيان، هما المجلس العسكري الذي يدير المرحلة، والحكومة من خلال المجلس العسكري ومجلس الشعب المنتخب، وفي النهاية هذه هي الأطراف التي تدير المعادلة السياسية الآن، لا أحد ينكر هذه المعادلة ولا نستبعدها ولا نستعديها لأن هناك مستويات واستحقاقات.. لكن هذا البرلمان الذي يقف الآن ليشكل لجنة لتقصي الحقائق ويستدعي وزير المخابرات والشرطة العسكرية، وهذا البرلمان الذي يعلن كل كبيرة وصغيرة من خروقات وتجاوزات، في الفترة الماضية أظن أن هذا البرلمان لأول مرة يجري فيه إحضار رئيس الوزراء ووزير الداخلية، أقول ذلك حتى لا نركز فقط على نصف الكوب الفارغ ونتجاهل النصف الآخر المملوء..كنا نعيش في زمان لا نرى فيه وزير الداخلية لمرة واحدة في البرلمان، ولكن الآن هم يجلسون في موضع التلميذ الذي يتعامل مع أستاذه ويستجوبه فيجيب…. هذه صورة لم ترها مصر من قبل.
- المشهد الآن يريد أن يبعث برسالة تقول: أنتم لا تستطيعون الاستقرار في هذا الوطن من دون هذه المؤسسات السيادية، وبالتالي فإن حالة من الفوضى ستستمر إن لم أكن موجودا؟
لا..هذه الرسالة مرفوضة جملة وتفصيلا، هذا الوطن سيعيش في أمن وأمان، وسيعيش في استحقاقاته من الأمن والديمقراطية الكاملة، ودور المجلسس العسكري في المرحلة – حتى بعد أن يخرج من المشهد السياسي – أن يحمي الوطن أو يحفظه، ليس قضية أن يكون جزءا من المشهد السياسي وفاعلا فيه ومؤثرا أو أننا سننتظر الفوضى، من واجبه أن يحفظ البلد والوطن حتى بعد أن يغادر موقع المسؤولية السياسية.
- كيف سيغادر؟
نحن نتحدث عن انتقال للسلطة برئيس حقيقي وليس صوريا، وبرلمان حقيقي ولا أحد يحكم من وراء ستار، ولا أحد فوق مؤسسات هذه الدولة الرقابية والتشريعية والتنفيذية، ولا أحد خارجها، ولا أحد له استحقاقات خاصة، ولكن من المؤكد أن هناك مشكلات تحتاج إلى أن تتم مناقشتها موضوعيا، ليس بين الإخوان والمجلس العسكري، لكن بين القوى الوطنية المختلفة الآن في المشهد السياسي كله، وبين المجلس العسكري، كيف ندفعه إلى أن يخرج من المشهد بلا وصاية عليه، ولكن بشكل يجعل هذا الخروج ممكنا، ولا يؤزم هذا الخروج، ولا يدخلنا في متاهة "أنا أو الفوضى”.
الانتقال الآمن
- هل هذا الترتيب يجعل له وضعا مميزا؟
هذا مرفوض.
- هل تريد أن يخرج بلا توابع؟
إذا اضطر لأن يستمر في معادلة سلفه القائلة "أنا أو الفوضى”.. لكن القضية يجب أن تبحث من خلال أطر شرعية، وفقا لصلاحيتها، كيف تدفعه إلى الخروج وتشجعه على الخروج، كي يتنحى وفق مسؤولية وليس وفق صفقات وصكوك؟ نشجعه، ولا بد من أدوات لتحفيزه، هذا يحتاج إلى مناقشة موضوعية مسؤولة تشارك فيها كل الأطراف السياسية، تقول له لا بد أن تغادر بلا وصاية على المستقبل، لكن ما هي مشكلات هذه المبادرة، دعونا نتناقش فيها.