الجمعة, 2025-07-04, 6:03:23 PM
أهلاً بك ضيف | RSS

      محمد على قرون               

تصويتنا
قيم موقعي
مجموع الردود: 26
الدخول
الة حاسبة
احصائية
الوقت والتاريخ

مدونة

الرئيسية » 2012 » مايو » 11 » الطريقة الرحمانية في الجزائر
12:30:57 PM
الطريقة الرحمانية في الجزائر

الطريقة الرحمانية في الجزائر

الصوفية : مصطفى محمود

شهدت الأعوامُ الأخيرة حراكًا وظهورًا قويًّا للطرق الصوفية في الجزائر، خاصةً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت لها أصداء في العالم كلِّه، وبشكل خاص في عالمنا الإسلامي الذي هرولتِ الأنظمةُ السياسية فيه إلى فتح الأبواب على مصراعيها للطرق الصوفية، حيث رأتْ في ذلك حلًا مثاليًّا لإحداث نوعٍ من التوازن في مواجهة التيارات السلفية واسعة الانتشار؛ الأمر الذي يمكّنها من تحصيل الاستقرار السياسي الذي ترغب فيه.

وكان الأمر كذلك في الجزائر، فعادت الطرق الصوفية خلال السنوات الأخيرة بشكل قوي على الساحة، وكثُر أتباعُها ومريدوها، وانتشرت زواياها انتشارًا واسعًا في بقاع كثيرة من الأراضي الجزائرية، ويشير الدكتور محمد بن بريكة المنسق الأعلى للطريقة القادرية الصوفية في الجزائر إلى وجود 320 طريقة صوفية في العالم، ويعتبر أنّ "الجزائر هي مركز ومنشأ أغلب الطرق"[1].

وتعد "الطريقة الرحمانية" إحدى أبرز الطرق الصوفية في الجزائر، بل إن أحد الباحثين يرى أنها "تمثل أحد المعالم الرئيسية البارزة وظاهرة دينية روحية اجتماعية وسياسية هامة في تاريخ الجزائر المعاصرة"[2]، وكانت هذه الطريقة هي الأوسع انتشارًا في عموم الجزائر إبان القرن التاسع عشر؛ حيث كانت تستحوذ وحدها على أكثر من 50% من عدد الزوايا في الجزائر، بحسب إحصاء "ديبون" و"كوبولاني" الذي أجرَيَاه عام 1897م.

وقد تأسست الطريقة الرحمانية أواخر القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، على يد شيخها ومؤسسها (محمّد بن عبد الرحمن الزواويّ الأزهريّ)، وإليه نُسبت فقيل "الرحمانيّة"، وهي متفرعة عن "الطريقة الخلوتيّة"؛ ولهذا يطلق عليها أيضًا "الطريقة الخلوتية الرحمانية".

ومُؤسِّسُ الطريقة[3] محمد بن عبد الرحمن الزواويّ الأزهري (1133-1208هـ = 1715-1793م) ينحدر من قرية بوعلاوة بعرش آيت إسماعيل، ناحية قشتولة، الواقعة على بعد 15 كلم، شرق ذراع الميزان، في منطقة جرجرة من الجزائر، ويلقب بـ"الزواويّ" نسبة إلى بلاد زواوة التي نشأ بها، كما يلقب بالأزهري نسبةً إلى أزهر مصر حيث جاوره مدة طويلةً من سني حياته، تلقى خلالها الطريقة الخلوتيّة عن شيخها في مصر محمّد بن سالم الحفناويّ الخلوتيّ (ت 1181 هـ) الذي ألبسه الخرقة، وصرفه إلى الجزائر لنشر الطريقة هناك، وكان ذلك سنة 1177هـ = 1758م.

والتزم التلميذُ أمرَ شيخِه وعاد إلى موطنه الجزائر حيث أسس زاويتين أولاهما وكانت في مَبْدأ عودته إلى الجزائر وأسسها في قرية الحامّة قرب الجزائر العاصمة، والأخرى في مسقط رأسه آيت إسماعيل بجرجرة، واجتهد الرجل أيما اجتهاد في نشر الطريقة حتى ذاع صيته، والتفَّ حوله عددٌ كبيرٌ من الطلاب والمريدين، وتُوفي سنة 1208هـ (= 1793م)، ودفن بزاويته في مسقط رأسه.

ولم يترك مؤسس الطريقة عقبًا من صلبه؛ فأوصى بالمشيخة من بعده لأحد تلامذته وهو الشيخ علي بن عيسى المغربي الذي ظل على رأس الزاوية الرحمانية حتى وفاته في 1251هـ= 1836م، وخلَفَه على مشيخة الزاوية سي بلقاسم بن محمد الحفيد الذي لم يدُمْ عهدُه إلا سنةً واحدةً، وفيها بدأ ظهور النزعة الاستقلالية لدى بعض الزوايا الرحمانية والانفصال عن الزاوية الأم بآيت إسماعيل، وازدادت نزعة الانفصال عن الزاوية الأم مع تعاقب المشايخ على رأس الطريقة، حتى عدَّ بعض[4] الباحثين المعاصرين منها 24 زاوية، لكل زاوية شيخ مستقل، ويبدو أنه لأجل هذه الانقسامات لجأ أرباب الطريقة إلى تأسيس رابطة الزوايا الرحمانيّة في غرّة المحرم 1410هـ/03 أغسطس 1989م، واختاروا زاويةَ الهامل مقرًّا للرابطة وانتخبوا مؤسس هذه الزاوية محمّد بن أبي القاسم (ت 1315 هـ= 1897م) رئيسًا للرابطة.

انحرافات الطريقة:

شأنُها شأن سائر الطرق الصوفية التي غصت بالانحرافات العقدية والتعبدية، والكثير من البدعيات والخرافات والضلالات، نجد أن "الطريقة الرحمانية" نسجت على هذا المنوال، وكان لها نصيب من تلك الانحرافات والبدعيات التي من أبرزها:

(1)  نسبة علم الغيب المطلق إلى شيوخ الطريقة:

كان من نتاج "التربية السلوكية" التي يتلقاها أتباعُ الطريقة الرحمانية في الزوايا، أنِ اعْتقدَ كثيرون من مريديها أن شيخ الطريقة يعلم الغيب وبمقدوره أن يطلع على ما لا يرضاه من أفعالهم؛ فحرصوا أشدَّ الحرص على عدم الوقوع في بعض المعاصي لا مراقبةً لنظر الله إليهم واطلاعه عليهم، وإنما خشيةً من اطلاع الشيخ عليهم وعلمِه بما قد يتلبَّسُون به من معاصٍ.

وحول هذا المعنى، يقول الشيخ مبارك بن محمد الميلي[5]: "وحدّثني ميليان لم يزالا حييْن، قال أحدهما: كنت عند باش تارزي شيخ الطريقة الرحمانية بقسنطينة أعلم[6] القرآن، وكنت فتى تدعوني نفسي إلى غشيان النّساء، فلم يكن يمنعني إلا خشية الشيخ أن يطّلع علي عن طريق الغيب!

وقال الآخر: كنتُ ذا سوق في تاجنانت[7] من أرض أولاد عبد النّور، وبقربي اثنان يتنازعان، فحلف أحدُهما للآخر بسيده عبد الرحمن بن الحملاوي، شيخ من شيوخ الطريقة الرحمانية، قرب سقّان فتغير وجه المحلوف له وأنكر على الحالف قائلًا: أليس الشيخُ عالمًا بما يجري الآن بيننا؟ قال محدّثي: ظننته لأوّل سماع إنكاره أنّه ينهاه عن الحلف بالمخلوق، فإذا هو يكبره عن الحلف به! ويشركه مع الله في غيبه!"[8].

وإن كان هذا اعتقاد المريدين في شيوخ الزاوية، فإنا نجد أيضًا في ترجمة مؤسس الطريقة (محمد بن عبد الرحمن الأزهري) ما فيه نسبة علم الغيب إليه واطّلاعه على ما خفي في صدور مُجالسيه، فقد جاء في ترجمته أنه لما دخل الجزائر العاصمة "احتفل به علماؤها، وكانوا قد امتلأتْ أسماعُهم من أخباره وأدهشهم ما بلغهم من أسراره، ولما اجتمعوا حوله وفي نفوسهم مسائلُ يريدون بها اختبارَه سكتوا طويلًا وكلٌّ منهم يشير بخائنة عينه إلى صاحبه أنْ ألقِ سؤالَك والشيخُ مطرقٌ مشتغلٌ بسُبحته ولم يتجاسر منهم أحدٌ عليه فرفع رأسه قائلًا: أيها السادة ما لي أراكم صامتين؟! وهل الجامع إلا للذكر، فهلموا إليه أو لطلب العلم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[سورة النحل: 43]، وما عداهما لهو ولغو.

فأجابه أحدُهم بأدب واحتشام: يا سيدي إنما أردنا التبرُّك بكم واقتباس بعض الحقائق منكم ... فنطق الشيخ وحدثهم بما كانت تحوم حوله أرواحُهم وتطوف به عقولُهم ولكن لا تناله إلا بالمشافهة من أضرابه الذين تعلقوا بمن عنده مفاتح الغيب، وتخلقوا بأخلاق رسوله المحبوب صلى الله عليه وسلم، وكان الشيخ قدس الله روحه ونور ضريحه يأتي في كلامه بجواب كل مسألة أضمروها له، ويلتفت إلى صاحبها منهم متبسمًا إشارة إلى أن ضميره عند القوم من قبيل الظاهر وإن كاتم سره عنهم كأنه مجاهر ..."[9].

والغيب[10] هو كل ما غاب عن العقول والأنظار من الأمور الحاضرة والماضية والمستقبلة، وقد استأثر الله عز وجل بعلمه واختص نفسه سبحانه بذلك، يقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ الا اللهُ[النمل: 65]، وقال تعالى: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[الكهف: 26]، وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ[الرعد: 9]، فليس لأحد أن ينسب لنفسه علم الغيب الذي اختص الله عز وجل نفسه به، ولا أن يدع الناس يعتقدون فيه ذلك وقد علم يقينًا أن ذلك ليس له ولا فيه.

لكن قد يُطْلعُ اللهُ عزَّ وجل بعض خلقه على بعض الأمور المغيبة عن طريق الوحي، كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا[الجن: 26-28]، وهذا من الغيب النسبي الذي غاب علمه عن بعض المخلوقات دون بعض، أما الغيب المطلق فلا يعلمه إلا هو سبحانه، ومن ذا الذي يدعي علمه وقد استأثر الله به.

وفي شأن هؤلاء الطرقيين الذين يدَّعون علم الغيب، يقول أبو حيان الأندلسي: "ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى التصوف أشياء من ادعاء علم المغيبات، والاطلاع على علم عواقب أتباعهم، وأنهم معهم في الجنة مقطوع لهم ولأتباعهم بها، يخبرون بذلك على رءوس المنابر ولا ينكر ذلك أحدٌ، هذا مع خلوّهم من العلوم يوهمون أنهم يعلمون الغيب"[11]اهـ، وهؤلاء كما يقول شارح الطحاوية: "يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس"[12].

(2)  اتخاذ أوراد غير مشروعة:

وكما هو حال عامة الطرق الصوفية التي ابتعدت عن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تتخذ الطريقة الرحمانية وردًا تُلزم به أتباعها ومريديها، وقد راجعنا ورد الطريقة كاملًا على موقعها الإلكتروني، ولاحظنا عليه أمورًا:

أولها: أن به أذكارًا مشروعة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن خصَّصوها بأوقات أو أعداد أو كيفيات بعينها، فوقعوا بذلك فيما يسميه العلماء بـ"البدعة الإضافية" أي التي يكون أصلها مشروعًا دون وصفها، فالبدعة لحقت هذه الأذكار من جهة اختراع الكيفية أو تحديد المقدار والزمن، وكما هو معلوم فإن الأذكار عبادة يُتقرَّبُ بها إلى الله عز وجل، والعبادة لابد من أن تكون مشروعةً في ذاتها وكيفيتها ووقتها ومقدارها.

ومن أمثلة ذلك في ورد الرحمانية: (يذكر "لا إله إلا الله" 300 مرة على الأقل صباحًا ومساءً من عصر يوم الجمعة إلى عصر يوم الخميس).

وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن (أفضل الذكر لا إله إلاَّ الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)[13]، كما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له)[14]، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَحُدَّ ذلك بعدد معين أو يربطه بوقت محدد، كما رأينا في هذا الذكر من ورد الطريقة.

ثانيها: أن به أذكارًا قد يكون من الجائز شرعًا التعبدُ لله بها، لكنهم يروُون في فضلها أحاديث لا تقوم بها حجة، ولا يصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضلًا عن أنهم يجمعون إلى ذلك تخصيصها بأعداد معينة وأوقات محددة، وذلك من قبيل ما جاء في ورد الطريقة: (قبل قيام الذاكر من مجلس صلاة عصر يوم الجمعة يأتي بصلاة الأمية 80 مرة وهي: "اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم"، ويروون في فضل ذلك: (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صلّى صلاة العصر يوم الجمعة فقال قبل أن يقوم من مجلسه: اللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد النّبيّ الأمّيّ وعلى آله وصحبه وسلّم ثمانين مرّة؛ غفرت له ذنوب ثمانين سنة وكتبت له عبادة ثمانين سنة).

ونقول ابتداءً: إن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة ثابثٌ فيما يرويه أبو داود وأحمد عن أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ـ أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ ـ قَالَ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام)[15].

ومن باب ما قرره العلماء من أنه "يجوز للإنسان أن يصلي على نبيه صلى الله عليه بصيغة لم ترد إذا لم تتضمن محذورًا شرعيًّا كالغلو فيه أو التوسل أو دعائه من دون الله"[16]؛ فلا مانع شرعًا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة الواردة في ورد الطريقة، لكن دون تخصيص ذلك بهذا العدد (80) أو بذلك الوقت (بعد العصر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد هذا الوقت بعينه من يوم الجمعة، وإنما أطلق الأمر، وتخصيصه بهذا الوقت يحتاج إلى دليل.

وما ثَمَّ؛ إذ أن الحديث الذي يروونه في هذا الشأن لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره الشيخ الألباني عليه رحمة الله في السلسلة الضعيفة برقم (215) وقال فيه: (موضوع)، وله رواية أخرى أوردها أيضًا الشيخ الألباني في السلسلة ذاتها برقم (3804) وقال: (ضعيف)، كما قال فيه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: (منكر).

وثالثةُ الأثافي التي يتضمنها ورد الطريقة الرحمانية هي قراءة "دلائل الخيرات"، فقد جاء في وردهم: ( يقرأ المريد دلائل الخيرات ليلة الجمعة أو يومها مرة واحدة، وهي من الوظائف اللازمة للمريد –كتاب دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم للشيخ سيدي أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر سليمان الجزولي المتوفي سنة 870 هـ).

وهذا الكتاب "دلائل الخيرات" من الكتب المقدسة لدى الصوفيين، ولا يكاد يخلو منه بيتٌ صوفي، بل إنهم قد استبدلوا قراءته بقراءة كتاب الله تبارك وتعالى، وقد أطلق عليه بعضُهم "مصحف الصوفية" لعظيم مكانته عندهم رغم ما حُشي به من شركيات وضلالات وافتراءات وأكاذيب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومما جاء في هذا الكتاب الخبيث من شركيات قوله مِن الحزب السابع في يوم الأحد: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ما سجعت الحمائم، ووحمت الحوائم، وسرحت البهائم، ونفعت التمائم"، فتأمل هذه الدعوة الصريحة إلى الشرك في قوله "ونفعت التمائم" وهل التمائم تنفع شيئًا؟ ألم يقل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في شأنها: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ)[17].

ومن الضلال الذي غص به هذا الكتاب أيضًا ما ورد فيه نقلًا عن عبد السلام بن مشيش[18]: "اللهم ... واقذف بي على الباطل فأدمغه، وزج بي في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها"، وفي كلامه تصريح بأنه يقول بالحلول والاتحاد، وهي عقيدة باطلة أجمعت الأمة على كفر من يقول بها، وعليها كان الحلاجُ وابنُ عربي وغلاةُ الصوفية.

وفي الكتاب طوام وضلالات كثيرة، أوردنا شيئًا منها كإشارة إلى أخواتها التي ازدحم بها الكتاب الذي ترى الرحمانية أن قراءته "من الوظائف اللازمة للمريد".

(3)  المراحل السبعة لتنقية الروح!

ومن الانحرافات لدى الطريقة الرحمانية اعتقادُهم أن هناك سبع مراحل لتزكية النفس أو ما تسميه الطريقة "تنقية الروح"؛ فالطريقة تقسم النفس إلى سبعة أقسام، وتخصص لكل قسم منها أورادًا من أجل تزكيتها وتنقيتها، وذلك على النحو المذكور في ورد الطريقة: (ويتعين على المريد السالك بعد أخذه التلقين من شيخ مربٍ مأذون إذنًا كاملًا في التربية، قطع مراحل النفوس السبع: أولها النفس الأمارة بالسوء ثم اللوامة ثم الملهمة ثم المطمئنة ثم الراضية ثم المرضية وأخيرًا النفس الكاملة، وهذا بذكر سبعة أسماء توافق مقامات النفوس السبعة المعروفة في الطريقة: لا إله إلا الله، الله، هو، حق، حي، قيوم، قهار).

وقد تحدث عن هذه المراحل السبعة المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي، بعد أن أورد في تاريخه كيفية تلقين الذكر وأخْذِ العهد بطريق الخلوتية[19]، فقال عنها: "والمراتب السبعة التي أشار إليها السيد في الكيفية المتقدمة هي مراتب الأسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال عليها:

الاسم الأول: (لا إله إلا الله) وتسمى النفس فيه (إمارة).

والثاني: (الله) وتسمى النفس فيه (لوامة).

والثالث: (هو) وتسمى النفس فيه (ملهمة).

والرابع: (حق) وهو أول قدم يحله المريد من الولاية ... وتسمى النفس فيه (مطمئنة).

والخامس: (حي) وتسمى النفس فيه (راضية).

والسادس: (قيوم) وتسمى النفس فيه (مرضية).

والسابع: (قهار) وتسمى النفس فيه (كاملة) وهو غاية التلقين"[20].

وهذه المراحل المزعومة لم يأتِ عليها دليلٌ من كتابٍ ولا سنةٍ صحيحة، كما لا نعلمها وردت عن أحدٍ من الخلفاء الراشدين المهديين، ولا عن أحدٍ من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورضوان الله عليهم أجمعين، وما كان كذلك فأيُّ خيرٍ يُرتجى من ورائه، فضلًا عن أن تُتَّخذَ سبيلًا لتزكية النفس وتهذيبها.

والأمر الذي يهمنا التنبيه عليه هو ما جاء في هذه المراحل من ذكر الله عز وجل بالاسم المفرد سواء أكان مُظْهَرًا (الله – حق – حي - قيوم - قهار) أم َمُضْمَرًا (هـو)، وذلك كله من بدع الصوفية وضلالهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: "وَالذِّكْرُ بِالِاسْمِ الْمُفْرَدِ مُظْهَرًا وَمُضْمَرًا بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ وَخَطَأٌ فِي الْقَوْلِ وَاللُّغَةِ، فَإِنَّ الِاسْمَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ هُوَ كَلَامًا لَا إيمَانًا وَلَا كُفْرًا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ الا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ)، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: (أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ الا اللهُ)، وَقَالَ: (أَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ الا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ"[21].

ويقول أيضًا: "وَأَمَّا الِاسْمُ الْمُفْرَدُ مُظْهَرًا أَوْ مُضْمَرًا فَلَيْسَ بِكَلَامِ تَامٍّ وَلَا جُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَلَا شَرَعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُعْطِي الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ مَعْرِفَةً مُفِيدَةً وَلَا حَالًا نَافِعًا وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ تَصَوُّرًا مُطْلَقًا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَحَالِهِ مَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ وَإلا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا تُشَرِّعُ مِنْ الْأَذْكَارِ مَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ لَا مَا تَكُونُ الْفَائِدَةُ حَاصِلَةً بِغَيْرِهِ.

وَقَدْ وَقَعَ بَعْضُ مَنْ وَاظَبَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فِي فُنُونٍ مِنْ الْإِلْحَادِ وَأَنْوَاعٍ مِنْ الِاتِّحَادِ ... وَالذِّكْرُ بِالِاسْمِ الْمُضْمَرِ الْمُفْرَدِ أَبْعَدُ عَنْ السُّنَّةِ وَأَدْخَلُ فِي الْبِدْعَةِ وَأَقْرَبُ إلَى إضْلَالِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: يَا هُوَ يَا هُوَ أَوْ: هُوَ هُوَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلا إلَى مَا يُصَوِّرُهُ قَلْبُهُ، وَالْقَلْبُ قَدْ يَهْتَدِي وَقَدْ يَضِلُّ ..."[22].

والحاصل أن منهج الطريقة الرحمانية في تصفية النفوس وتنقيتها بهذه المراحل أو المراتب السبعة، ما هو إلا نوع من إضلال الشيطان لا يحصل به تزكية ولا يجلب هُدى، وإنما قد يقود إلى "فنون من الإلحاد وأنواع من الاتحاد"، كما يقول شيخ الإسلام، خاصةً وأن ستًّا من هذه المراحل يشتغل فيها المريد بذكر الله تعالى بالاسم المفرد، وقد علمتَ ما في ذلك من بُعْدٍ عن السنة وسقوط في مهاوي البدعة.

وخير من ذلك أن يشتغل العبد بمناهج التزكية الحقيقية المستقاة من الوحيين: كتابٍ وسنةٍ، وقد لخصها بعض أهل العلم في ثلاثة أمور[23]:

- التزكية بالعقيدة الصحيحة عقيدة التوحيد، ولا يكفيهم ذلك حتى تتعبد قلوبهم لله عز وجل، وتمتلئ بأنوار أسمائه وصفاته وربوبيته وإلهيته.

- التزكية بأداء الواجبات وترك المحرمات.

- التزكية بالنوافل.

نخلص مما سبق إلى أن الطريقة الرحمانية تعد واحدةً من الطرق الأكثر انتشارًا في الجزائر خاصةً في الشرق، ولها أتباعٌ كُثُر وزوايا عديدة في مختلف أرجاء البلاد، وهي تغص ببدعيات وخرافات كثيرة وقفنا على بعضها، وشأنها في ذلك شأن سائر الطرق الصوفية التي غيَّبَها الجهل والضلال، ونأى بها عن الصراط المستقيم عن سبيل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وحزبه المفلحين.



[1] من خبر منشور بجريدة "الخبر" الجزائرية بتاريخ (18-02-2011) تحت عنوان: (بن بريكة: الحركة الوهابية سببت التطرف في العالم الإسلامي).

[2] الباحث الخبير في الدراسات الصوفية "عبد المنعم القاسمي" في مقال له بعنوان "الطريقة الرحمانية" منشور على موقع "مركز القاسمي للدراسات والأبحاث الصوفية".

[3] هذا الجزء مستفاد من عدة مصادر أبرزها ما سطره صاحب كتاب (تعريف الخلف برجال السلف) في ترجمة مؤسس الطريقة ص(450) وما بعدها (مطبعة بيير فونتانة الشرقية في الجزائر/1324هـ - 1906م)، بالإضافة إلى مقاليْن للأستاذ عبد المنعم القاسمي عن الطريقة الرحمانية ومؤسسها (كلاهما منشور على موقعه المشار إليه آنفًا)، فضلًا عن مقال ثالث بعنوان (تعريف الطريقة الرحمانيّة الخلوتيّة والزاويّة القاسميّة) من إعداد محمّد فؤاد، منشور على مدونة "دار الخليل القاسمي للنشر والتوزيع".

[4] هو الباحث "عبد المنعم القاسمي" المشار إليه آنفًا، وسلسلة المقالات حول هذه الزوايا منشورة على موقع مركزه على شبكة الإنترنت.

[5] نسبة إلى مدينة (ميلة) الواقعة في الشرق الجزائري.

[6] لعل الصواب (أتعلم) ليستقيم المعنى.

[7] مدينة تاجنانت تقع في الشرق الجزائري أيضًا بجوار مدينة قسنطينة.

[8] رسالة (الشرك ومظاهره) ص(210-211)، ط دار الراية للنشر والتوزيع، السعودية، (1422 هـ-2001 م).

[9] تعريف الخلف برجال السلف، مصدر سابق، ص(451-452).

[10] الكلام هنا مستفاد من كتاب "أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة"، ص (89-91).

[11] البحر المحيط، (4/145 و436) و(5/93).

[12]شرح الطحاوية في العقيدة السلفية، ابن أبي العز الحنفي، ص(504).

[13] أخرجه الترمذي (3383)، والنسائي في اليوم والليلة (831)، وابن ماجه (3800)، من حديث جابر رضي الله عنه، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم.

[14] أخرجه مالك في الموطأ عن طلحة بن عُبيد الله بن كريز وسنده صحيح، لكنه مرسل. ويتأيد بما أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره، وسنده حسن في الشواهد (يراجع تخريج الشيخ شعيب الأرنؤوط لأحاديث كتاب "العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم" ط الرسالة، ج 5، حواشي ص(392).

[15] رواه أبو داود بإسناد صحيح وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.

[16] من فتوى منشورة برقم (21902) على موقع "الإسلام سؤال وجواب" الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجّد.

[17] أخرجه الإمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وقال فيه الشيخ شعيب الأرنؤوط: (إسناده قوي)، وكذا صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: (492).

[18] شيخ أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة، قُتل بالمغرب على الزندقة عام (622هـ) على يد ابن أبي الطواجن، كما جاء في (طبقات الشعراني).

[19] مر بنا في بداية هذا المقال أن الطريقة الرحمانية متفرعة عن الطريقة الخلوتية.

[20] تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (1/ 345) ط دار الجيل - بيروت.

[21] مجموع الفتاوى، (10/ 396).

[22] مجموع الفتاوى، (10/ 226-227).

[23] التزكية بين أهل السنة والصوفية للشيخ أحمد فريد

مشاهده: 279 | أضاف: kroon | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *:
بحث
التقويم
«  مايو 2012  »
إث ث أر خ ج س أح
 123456
78910111213
14151617181920
21222324252627
28293031
دردشة مصغرة
اليوم
 
Copyright MyCorp © 2025
استضافة مجانية - uCoz