ظرية العشق الإلهي.. مراجعة شرعية وفكرية
د. أحمد محمود السيد
نظرية "العشق الإلهي"..مراجعة شرعية وفكرية
.jpg)
د. أحمد محمود السيد
ظهر تيار التصوف كرد فعل لتيار الترف الحضاري والانحلال الأخلاقي الذي ساد نهاية القرن الثاني الهجري وكخطا موازيا لشعر الغزل الصريح والخمريات وخلافه، أما العشق الإلهي فقد كان معاكسًا لقصص وأشعار الحب والعشق التي انتشرت في تلك الأجواء؛ لتعبر عن الزهد في الدنيا والنزوع إلى الله، مقابل نهم الانكباب على الملذات الدنيوية والانفتاح الأعمى على الشهوات.
ويتناول هذا البحث نظرية العشق الإلهي باستخدام المنهج الوصفي التحليلي، من خلال أربعة محاور على النحو التالي:
المحور الأول: دلالة العشق:
أ) لغويًّا:
ب) اصطلاحيًّا:
المحور الثاني: المدارس الكبرى للعشق الإلهي:
أ) رابعة (الشهيدة).
ب) ابن الفارض (السلطان).
المحور الثالث: الغرب والعشق والعاشقين:
أ) "الرومي" (شاعر الغزليات الصوفية).
ب) "السهروردي" (شاعر الإخصاب الروحي).
المحور الرابع: الإطار الشرعي لتقييم العشق الإلهي:
أولًا: دلالة العشق لغويًّا واصطلاحيًّا:
أ) لغويًّا:
- عشق:
العِشْقُ: فرط الحب، وقيل: هو عُجْب المحب بالمحبوب يكون في عَفاف الحُبّ ودَعارته؛ عَشِقَه يَعْشَقُه عِشْقًا وعَشَقًا وتَعَشَّقَهُ، وقيل: التَّعَشُّقُ، تكلّف العِشْقِ، وقيل: العِشْقُ الاسم والعَشَقُ المصدر، قال رؤبة: ولم يُضِعْها بينَ فِرْكِ وعَشَقْ، ورجل عاشِقٌ من قوم عُشَّاقٍ، وعِشِّيقٌ مثال فِسِّيقٍ: كثير العِشْقِ. وامرأَة عاشِقٌ، بغير هاء، وعاشِقةٌ.
والعَشَقُ والعَسَقُ، بالشين والسين المهملة: اللزوم للشيء لا يفارقه، ولذلك قيل للكَلِف عاشِق للزومه هواه والمَعْشَقُ: العِشْقُ؛ قال الأَعشى: وما بيَ منْ سُقْمٍ وما بيَ مَعْشَق، وسئل أَبو العباس أَحمد بن يحيى عن الحُبِّ والعِشْقِ: أَيّهما أَحمد؟ فقال: الحُب لأن العِشْقَ فيه إِفراط، وسمي العاشِقُ عاشِقًا لأَنه يَذْبُلُ من شدة الهوى كما تَذْبُل العَشَقَةُ إِذا قطعت، والعَشَقَةُ: شجرة تَخْضَرُّ ثم تَدِقُّ وتَصْفَرُّ؛ عن الزجاج، وزعم أَن اشتقاق العاشق منه؛ وقال كراع: هي عند المُوَلَّدين اللَّبْلابُ، وجمعها العَشَقُ.
ابن الأَعرابي: العُشُقُ المُصْلحون غُرُوس الرياحين ومُسَوُّوها، قال: والعُشُقُ من الإِبل الذي يلزم طَرُوقَتَه ولا يَحنّ إِلى غيرها.
أَبو عمرو: يقال للناقة إِذا اشتدت ضَبَعَتُها قد هَدِمَتْ وهَوِسَتْ وبَلَمَتْ وتَهالَكَتْ وعَشِقَتْ وأَبْلَسَتْ، فهي مِبْلاسٌ، وأَرَبَّتْ مثله(1).
- الحب: هو عبارة عن ميل الطبع في الشيء الملذ، فإن تأكد الميل وقوي يسمى عشقًا، والعشق مقرون بالشهوة، والحب مجرد عنها.
- وأول مراتب الحب الهوى، وهو ميل النفس، وقد يطلق ويراد به نفس المحبوب، والعشق في الصحاح هو فرط الحب وعند الأطباء نوع من أنواع الماليخوليا، والجوى: هو الهوى الباطن مع شدة الوجد من عشق أو حزن(2).
- عشقه: أحبه أشد الحب، عشق بالشيء: لصق به ولزمه، عشق الشيء بآخر: أدخل أطراف أحدهما بين أطراف الآخر(3).
ب) الدلالة الاصطلاحية:
1) العشق درجة من درجات المحبة:
يعرف الهروي (ت:481هـ) المحبة بأنها (تعلق القلب بين الهمة والأنس)، بما يعني تعلق القلب بالمحبوب تعلقًا حائرًا بين طلب المحب لمحبوبة طلبًا لا ينقطع، وبين أنسه بمحبوبة(4).
وللمحبة درجات:
الأولى محبة تقطع وساوس القلب، وتلذ الخدمة وتسلي عن المصائب، وتنشأ من ملاحظة العبد لنعم المولى الظاهرة والباطنة، وثبات هذه المحبة يكون بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به.
والثانية محبة تبعث على إيثار الحق على كل ما سواه، وتنشأ بسبب من مطالعة العبد للصفات الإلهية، والارتباط بالمقامات الروحية.
والثالثة محبة تنشأ من مشاهدة جمال المحبوب، وفي هذه الدرجة يختطف قلب المحب وتنقطع عبارته وإشارته، وحقيقة هذه الدرجة: الفناء في المحبة وفي الشهود.
والمحب إذا كان واعيًا بحبه ومكتسبًا له سمي "محبًّا"، وإذا كان مختطفًا بالحب سمي "عاشقًا"، والفرق بينهما -فيما يقول شيوخ التصوف- أن المحب مريد والعاشق مراد(5).
2) العشق الإلهي محبة مؤكدة مفرطة:
يعرف الإمام الغزالي العشق الإلهي قائلًا: (فاعلم أن مَن عَرَف الله أحبَّه لا محالة، ومَن تأكدت معرفته تأكدت محبته بقدر تأكد معرفته، والمحبة إذا تأكدت سُميت عشقًا، فلا معنى للعشق إلا محبة مؤكدة مفرطة، ولذلك قالت العرب: "إن محمدًا قد عَشِق ربه" لـمَّا رأوه يتخلى للعبادة في جبل حراء)(6).
3) العشق "مراتب" و"مقامات":
العشق حالة من أحوال الحب الإلهي، تنتقل زيادة أو نقصانًا في مراتب (مقامات) متدرجة(7)، وهي مراتب شبيهة بأحوال العشق البشري مع الفارق في القداسة بطبيعة الحال، هذه المراتب يمكن أن تنحصر في الأحوال الآتية(8):
- العلاقة: الحب اللازم للقلب وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب.
- الشغف: حرقة الحب للقلب مع لذة تداخلها شغفه حبه: أي إحرق قلبه مع لذة يجدها.
- اللوعة: حرقة الهوى.
- الصبابة: رقة الشوق وحرارته.
- الشوق: السفر إلى المحبوب والاشتياق: نزع النفس بكليتها إلى المحبوب.
- التبل: وهو أن يسقمه الهوى ومنه رجل متبول.
- الوصب: ألم الحب ومرضه.
- الهيام: وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه.
- الوله: وهو ذهاب العقل من الهوى.
- التتيم: وهو أن يستعبده الحب.
ثانيًا: أشهر مدارس العشق الإلهي:
أ) رابعة العدوية (الشهيدة):
نشأ مصطلح الحب الإلهي في القرن الثاني الهجري وكانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل الخوف من الله ومن عقابه، أبرز ممثلي هذا الاتجاه الحسن البصري وكانت حياة الزهاد والعباد الأوائل تمتلئ بهذا المعنى، فقد عرف عنه أنه كان يبكي من خوف الله حتى قيل كأن النار لم تخلق إلا له(9).
ويميل مؤرخو التصوف الإسلامي إلى القول بأن رابعة العدوية (ت: 185هجرية) هي أول من أخرجت التصوف من الخضوع لعامل الحب، وأنها أول من استخدمت لفظ الحب استخدامًا صريحًا في مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة، وعلى يديها ظهرت نظرية العبادة من أجل محبة الله لا من أجل الخوف من النار أو الطمع في الجنة(10).
ويرجع مؤرخو التصوف لرابعة العدوية إدخال مفهوم العشق الإلهي في التصوف الإسلامي بسمات خاصة تختلف عما ورد في مسألة العشق الإلهي في النصرانية، والذي كانت من أبرز دعاته (الأم تيريزا)، وإن أكد البعض أنها نسخة طبق الأصل منها(11).
وقد فسر الإمام الغزالي العشق الإلهي بأنه حالة من الحب الشديد يشتاق فيها المحب إلى لقاء الله سبحانه وتعالى، فلا ينظر إلى شيء إلا ورآه فيه سبحانه، ولا يقرع سمعه قارع إلا وسمعه منه أو فيه، فينتج عن هذا المقام أحوال من المكاشفات والملاطفات لا يحيط الوصف بها، يعرفها من ذاقها وينكرها من كل حسه عن ذوقها(12).
ب) عمر ابن الفارض (السلطان):
ابن الفارض، هو أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، أحد أشهر الشعراء المتصوفين، وكانت أشعاره غالبها في العشق الإلهي حتى أنه لقب بـ"سلطان العاشقين"، ولد بمصر سنة 567هـ الموافق 1181م، ولما شب اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم سلك طريق الصوفية ومال إلى الزهد، رحل إلى مكة في غير أشهر الحج، واعتزل في واد بعيد عنها، وفي عزلته تلك نظم معظم أشعاره في الحب الإلهي، حتى عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عامًا(13).
يصفه شيخ الأزهر السابق د.مصطفى عبد الرازق بأنه: (الصوفي المصري الأول بلا منازع، ورأس شعراء التصوف الذين نظموا قصائدهم بالعربية، وقيل: إن شعره صادر عن نفثة مصدور وعاشق مهجور، أعلى مراتب شعره حواها ديوان "التائية الكبرى" الذي يتكون من 760 بيتًا، وفيه وصف رياضاته الروحية ومجاهداته ومنازلاته القلبية وموصلاته الروحية للعشق الإلهي)(14).
لابن الفارض قصيدة أخرى مطولة أسمها "الميمية" والتي اشتهرت بقصيدة "الخمر"، والذي يدافع عنها المتصوفة بأنه لا يعني به الشراب الذي يذهب العقل ويورد الخبل والغياب، إنما عني به السكر الناجم عن العشق الإلهي، والذي يعد أحد المواجيد الأساسية للتصوف والمتصوفة، والذي يلقى صاحبه غافلًا عن الدنيا منتبهًا فحسب إلى كل ما يصل الإنسان بربه(15).
تدور أغراض شعر ابن الفارض حول الحب الإلهي الذي يصل في ذروته إلى العشق الإلهي، والذي يقوم على الاتحاد، أي الاعتقاد أن كل ما في الوجود يتساوى في الشرف، لأنه يمثل جوانب من الحقيقة الإلهية، فالمسجد والكنيسة وبيت الأصنام والنار كلها جوانب لله، وشارب الخمر والمتعبد في بيت عبادته، كلاهما يمثل حقيقة واحدة في مظهرين، والله يتبدى لكل محب في محبوبه، وهنا يكون مذهب ابن الفارض هو وحدة الوجود مثله مثل ابن عربي(16).
ثالثًا: الغرب والعشق والعاشقين:
احتفى الاستعمار الغربي قديمًا وحديثًا بالصوفية والمتصوفة وأبدى تقديرًا كبيرًا دراسة وتحليلًا ونشرًا على يد المستشرقين والمفكرين المعاصرين، بالأخص رواد العشق الإلهي من أمثال جلال الدين الرومي والسهروردي ومن على شاكلتهم، من شواهد هذا الاهتمام، الإقبال الأمريكي على دراسة أعمال أنصار العشق الإلهي من أمثال جلال الدين الرومي والسهروردي وغيرهم، فقد زاد
الإقبال على دراسة أشعار وكتب الرومي في الجامعات الأمريكية، وكذلك كثرت المؤتمرات التي تعقدها هيئات ثقافية أمريكية بهذا الخصوص يتم فيها دعوة علماء وأدباء وشعراء من الدول الإسلامية لمناقشة هذه الأعمال، وتنشر الصفحات الثقافية في المجلات الأمريكية عروضًا لأشعاره، وأكبر مقياس على مدى شهرته تسجيل مجموعة من نجوم السينما والمطربين الأمريكين أشعاره، وغناء نجوم (بوب) غربيون مثل (مادونا) ترجمات أشعاره لتعظيمه قوة الحب واعتقاده في فائدة الموسيقى والرقص الروحية(17).
وكان لهذا الاهتمام أسبابًا كثيرة يذكرها مؤرخو الصوفية وفلاسفة التاريخ نذكر منها النقاط التالية:
1) التشكيك في عقيدة المسلمين وبث الغموض والتعقيد في مفردات عقيدة التوحيد الصافية، ليصبح المسلم مذبذبًا لا يستطيع أن يجابه الأعداء وهو بعقيدة مهزوزة يسهل تحويله عنها.
2) إيهام المسلمين بأن نظرية الفناء في الله والحلول والاتحاد والعشق الإلهي مستقاة من العقائد المسيحية، وأنها تتشابه في الكثير من مبادئها مع ما يناظرها في المسيحية من التثليث وحلول قوة الرب في الصليب وغيرها من المعتقدات.
3) سهولة قبول المسلمين لدعوة التنصير عند التقريب بين المسيحية والإسلام والقول بأن منطلقها واحد.
4) ضرب التميز والخصوصية الإسلامية بالقول بصحة الأديان كلها ووحدتها، لتمييع الإيمان بأن الإسلام هو دين الله الخاتم.
5) التخلي عن المبادئ الإسلامية في إطار المناداة بالمطلقات الإنسانية العامة والدعوة إلى قبول الاستعمار الصهيوني والمسيحي تحت مسمى التسامح والتعايش وقبول الآخر.
6) التسوية بين الأديان كلها وعدم تمييز دين على آخر، واعتبار أنها تؤدي كلها إلى هدف واحد هو الوصول إلى الله، وبالتالي يستوي المؤمن والكافر في ظل منظومة تفصل الدين عن الدولة، وتهمشه بعيدًا عن الواقع.
7) الاحتفاء بالدور السلبي المنسحب من الحياة وأحداثها والمتدثر بقالب الذكر والعبادة، المتباعد عن الأدوار الإيجابية التي تقف أمام الاستعمار الصليبي والصهيوني.
8) دعوة المسلمين إلى تبني مناهج تبعد عن العلم والعقل والوحي -كالاعتماد على الأحلام والرؤى كمصدر للعبادة- ليسهل بعد ذلك تهميشها للدين وفصلها له.
9) فتح الباب لوسم الإسلام بالانحلال والخلط والشركيات في مسألة العالقة بين العبد بربه.
10) الدعوة إلى المحبة والسلام، وهى دعوة حق أريد بها باطل عندما تنتشر بين أناس احتلت أراضيهم واغتصبت نساؤهم واستبيحت ثرواتهم.
11) تعظيم قوة الحب والاعتقاد في فائدة الموسيقى والرقص الروحية.
12) الدعوة إلى العالمية في العقيدة بالجمع بين فلسفة التصوف ومصادر الفكر الإشراقي المتعددة (الزرادشتية والفيثاغورثية والأفلاطونية والهرمسية وغيرها) لإغراق العقيدة الإسلامية وتذويبها في العقائد الشركية المختلفة.
13) خلط العقيدة المسيحية فيما يخص السيدة مريم عليها السلام بعقيدة الإسلام بصددها حيث تحولها من بشر إلى إله، وذلك عند الحديث عن ما يسمى الإخصاب الروحي كما جاء عند السهروردي.
14) تدعيم نظرية العشق الإلهي التي تحول قيمة الجهاد في سبيل الله من حركة تؤدي إلى إزالة الجاهلية من الأرض وإحلال المنهج الرباني محلها والتمكين لدين الله في الأرض وإطلاق الحرية للإنسان في اختيار الإسلام أو رفضه إلى جهاد دفاعي ينحسر في جهاد النفس تاركًا الفساد يعج في الأرض.
من أمثلة متصوفة العشق الإلهي الذين أولاهم الغرب اهتمامًا كبيرًا جلال الدين الرومي والسهروردي:
أ) "الرومي" (شاعر الغزليات الصوفية):
هو محمد بن محمد بن الحسين بن أحمد بن قاسم بن مسيب بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، عرف نفسه بالبلخي، ولُقب بالقونوي نسبة إلى قونية التي سكنها وتوفي فيها، كذلك لُقب بالرومي نسبة إلى بلاد الروم، وكانت قونية، في وسط تركيا الراهنة، في عهده إحدى أعظم مدن الإسلام في الروم، فأصبح يُعرف بالبلخي القونوي الرومي(18).
بدأ عالمًا بفقه الحنفية ومختلف أنواع العلوم التي جادت بها قرائح المسلمين، ثم انتهى متصوفًا بعدما ترك الدنيا والتصنيف، ولجأ إلى الشعر يبث فيه فلسفته القائمة على وحدة الوجود، وصحة الأديان جميعًا، والدعاية إلى المحبة والسلام، وقد أدى بيانه الفياض، والقيم العميقة الرحبة المتسامحة، التي تنطوي عليها فلسفته، وتكمن في أبيات قصائده إلى أن صار الآن جسرًا متينًا بين الشرق والغرب(19).
ولد في فارس عام 604هـ - 1207م لأسرة ينتهى نسبها -على الأرجح- إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وتحظى بمصاهرة البيت الحاكم في خوارزم، أما أمه فكانت ابنة خوارزم شاه علاء الدين محمد.
في مطلع الخمسينات من عمره راح الرومي يملي على تلميذه حسام الدين ديوانه الشعري الصوفي "المثنوي"، أكبر ديوان صوفي في التاريخ الإنساني، ومؤلف من سبعة وعشرين ألف بيت(20).
يبدأ الديوان بأبيات تحكي شوق الروح الإنسانية إلى خالقها، تحت غطاء رمزي، يتمثل في ناي يئن حنينًا إلى منبته، بقوله (مترجم عن الفارسية):
أنصت للناي كيف يقصّ حكايته
إنه يشكو آلام الفراق
إنني منذ قطعت من منبت الغاب
والناس رجالًا ونساء يبكون لبكائي
إنني أنشد صدرًا مزّقه الفراق
حتى أشرح له ألم الاشتياق
فكلّ إنسان أقام بعيدًا عن أصله
يظلّ يبحث عن زمان وصله
علاوة على "المثنوي" نظم الرومي ديوان "شمس تبريز" الذي يشمل غزليات صوفية، والتزم فيه ببحور العروض، وهو يحوي 36023 بيتًا(21).
ومركزية قيمة الحب في تجربة الرومي، جعلته يتجاوز حدود المعتاد، ويقبل المشارب والأطياف كافة، ويقول بوحدة الحب والأديان، بل إن العاشق في نظره لا يكون صادقًا ما لم ينفتح أفقه على الخلق كله، وتعود فيوضات المحبة في شعر الرومي وفلسفته الإنسانية إلى الحب الجارف الذي كان يكتنف روحه، فالحب لديه لهيب محرقة، وفي بحر السماع ماء معين ترتوي منه الروح ما تريد وكيفما تشاء، فهو عندما يتحدث عن قيمة السماع والمجاهدة والإرادة في مكابدة النفس والوجود، كأنه يجسد فعل المحبة الشاملة، والقيم كافة التي دارت حولها تجربة جلال الدين الرومي الروحية، تصب في فلسفة الحب والعشق الإلهي التي جعلها أساس الوجود الإنساني، وحول المرأة التي ينعكس فيها كل شيء(22).
عرّف الرومي الحب قائلًا: (يعنى أن تميل بكلك إلى المحبوب، ثم تؤثره على نفسك وروحك ومالك ثم توافقه سرًّا وجهرًا ثم تعترف بتقصيرك في حبه)، وكان يعتقد أن الحب، هو (هتك الأستار وكشف الأسرار)، وطاقة الحب لديه هي (النار المشتعلة في القلب والتي تحرق كل شيء عدا مراد المحبوب)، و(استقلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من محبوبك، فالحب يسقط شروط الأدب)، وهي كذلك (كالغصن، حين يغرس في القلب فيثمر على قدر العقل)، وكان يقول دومًا: (الحب أوله ختل وآخره قتل)(23).
وأنشد الرومي شعرًا خالدًا في العشق الإلهي(24)، إذ قال في قصيدته "شمس مغربي":
ولقد شهدت جماله في ذاتي *** لما صفت وتصقلت مرآتي
وتزينت بجماله وجلاله *** وكماله ووصاله خلواتي
أنواره قد أوقدت مصباحي
عاصر الرومي فترة هجوم المغول على الدولة الإسلامية واكتساحهم وقضاؤهم على كل حواضر الإسلام، هرب والده بنفسه أمامهم من أفغانستان إلى دمشق ولم يسمع عن الرومي أنه ألف قصائد في مقاومة المغول أو حربهم أو ماشابه ذلك(25)، لأن الذي غاص في بحر "العشق" لن يستطيع مقاومة أمواج الأعداء ولا صد هجمات الباطل.
ب) السهروردي (شاعر الإخصاب الروحي):
يعتبر السهروردي أحد كبار فلاسفة "الإشراق" في تاريخ الفكر الإسلامي، دعا إلى الوصول للمعرفة عن طريق الذوق والكشف الروحاني، اطلع على الفلسفات التي خلفها كهنة مصر وفلاسفة الإغريق وبراهمة الهند وغيرها، فانتهى إلى المطالبة بالتأمل الروحاني للوجود، والتخلص من الوقوع التام تحت طائلة المصادر، والاعتماد على التفكير الذاتي والإبحار في النفس، جنبًا إلى جنب مع توسل البرهان العقلي في الوصول إلى الحقيقة(26).
إنه "أبو الفتوح" يحيى بن حبش بن أميرك، ويلقب بـ"شهاب الدين" ويوصف "بالحكيم"، و"المؤيد بالملكوت" ولقبه تلامذته بـ"الشهيد"، واشتهر بالشيخ المقتول تمييزًا له عن صوفيين آخرين هما: شهاب الدين أبو حفص عمر السهروردي البغدادي (632هـ) ومؤلف كتاب "عوارف المعارف" في التصوف، وصاحب الطريقة الصوفية المنسوبة إليه وهي الطريقة السهروردية، أما الآخر فهو "أبو النجيب السهروردي" (ت: 563هـ)(27).
ولد السهروردي عام 545هـ على الأرجح، في بلدة سهرود بزنجان في أذربيجان، حيث تلقى مزيجًا من الثقافات الإسلامية وغيرها، يعتمد بعضها على إعمال العقل، وبعضها على التذوق، وكان السهروردي كثير الأسفار، وفي ترحاله التقى علماء وحكماء ومتصوفة كثيرين، وفي مطارحاته نقل عنه تلميذه الشهروري قوله عن هذه المرحلة من عمره: (قد بلغ سني إلى قرب 30 سنة، وأكثر عمره في الأسفار والاستخبار والتفحص عن مشارك مطلع على العلوم)، ثم قال: (سافر في صغره في طلب العلم والحكمة إلى مراغى، واشتغل بالحكمة على مجد الدين الجيلي، ثم سافر إلى نواحٍ متعددة، وصاحب الصوفية، واستفاد منهم، وحصل لنفسه ملكة الاستقلال بالفكر والانفراد ثم اشتغل بنفسه حتى وصل إلى غايات مقامات الحكماء ونهايات مكاشفات الأولياء(28).
أوضح قطب الدين الشيرازي في مقدمة كتاب "حكمة الإشراق للسهروردي" أن الفلسفة الإشراقية هى الحكمة المؤسسة على الإشراق الذي هو الكشف، أو حكمة المشارقة الذين من أهل فارس، ويرى الإشراقيون أن المعرفة لا تقوم على تجريد الصور، كما يقرر المشّاءون، وهم أتباع فلسفة أرسطو، بل تقوم على الحدس الذي يربط الذات العارفة بالجواهر النورانية صعودًا كان أو نزولًا(29).
ولم يكتف السهروردي في بث فلسفته الإشراقية على النثر، بل قدمها أيضًا في نظم شعري صاف(30)، إذ نظم في العشق الإلهى أبياتًا تقول:
أبدًا تحنّ إليكمُ الأرواحُ *** ووصالكمْ رَيحانُها والراحُ
وقلوبُ أهل وِدادكمْ تشتاقكمْ *** وإلى لذيذ لقائكمْ ترتاحُ
وارحمتا للعاشقين! تكلّفوا *** سترَ المحبّة، والهوى فضّاحُ
بالسرّ إن باحوا تباحُ دماؤهم *** وكذا دماءُ العاشقين تُباحُ
ونظم قصيدة أخرى على المنوال ذاته، جاء فيها:
كُلّ يَومٍ يَروعُني مِنكَ عَتب *** أَيّ ذَنبٍ جَناهُ فيكَ المُحتبُّ
إِن تَكُن أَحدَثت وشاتي حَديثًا *** بِسلوّى هَواك حَشاي كذبُ
وَضُلوعي لَها هَواك ضُلوعًا *** بَل وَقَلبي لَها المَحبّة قَلبُ
مُتّ مِن جورِ سادَة قَد أَحَلّوا *** قَتلَ مَن لا لهُ سِوى العشقِ ذَنبُ
صارَ لي في هَواهُ رُتبة ما *** حازَها في هَواهم قَطُّ صَبُّ
عَبراتٌ تَهمى وَجِسمٌ نَحيلٌ *** وَفُؤادٌ عَلى التَّقاطعِ يَصبو
وَضُلوعٌ مِنَ الجَوى واهِيات *** وَدُموعٌ بِذائِبِ القَلبِ سكبُ
يا سَميري وَلَم أَقُل يا سَميري *** قَط إِلّا أَجابَ عِشق وَحُبُّ
هَل لِداء الهَوى سَمعت دَواء *** هَل لِمَيت الغَرام في الحُبّ طبُّ
بَينَ جِسمي وَالسَّقم سلم وَبَينَ *** الجفنِ وَالنَّوم عِندَما صَدّ حَربُ
مَن مُجيري مِن ظالِم وَلي *** القَلب لَهُ اليَوم فيهِ قَتلٌ وَنَهبُ
جاءَ لِلنّاسِ فتنة بِخدودٍ *** نارها في قُلوبنا لَيسَ تَخبو
إِنَّ عَينى لِشمس وَجهِكَ شَرق *** ما لِدَمعي سِوى الجفن غَربُ
وفي إحدى قصائده بيت يشبه ما سبق أن نظمته رابعة العدوية في العشق الإلهى:
وَلَولاكُم ما عَرَفنا الهَوى *** وَلَولا الهَوى ما عَرفناكُم
وهذا العشق أزلى، مستقر في الأعماق، في الحشايا والخلايا والضلوع، إنه عشق مرتبط بالوجود، ومن دونه العدم والصمت واللاشيء:
أَقسَمتُ بِصَفو حُبِّكُم في القدم *** ما زَلَّ إلى غَيرِ هَواكُم قَدَمي
قَد أَمزج حُبّكُم بِلَحمي وَدَمي *** قَطعي صلتي وَفي وُجودي عَدَمي
وثمة قصيدة أخرى عن النور الغامر الذي يملأ القلب بحب الخالق الأعظم، صورها في بساطة عبر التجسيد والتمثيل:
لِأَنوارِ نورِ الله في القَلب أَنوارُ *** وَللسرّ في سرّ المُحبّين أَسرارُ
وَلمّا حَضَرنا للشّرابِ بِمجلسٍ *** وَخفّ مِن عالم الغَيب أَسرارُ
وَدارَت عَلَينا لِلمَعارف قَهوة *** يَطوفُ بِها مِن جَوهرِ العَقلِ خمارُ
فَلَمّا شَرِبناها بإِقراه فمها *** أَضاءَ لَنا مِنها شُموس وَأَقمارُ
وَكاشَفنا حَتّى رَأَيناهُ جَهرَةً *** بِأَبصار صِدقٍ لا يُواريهِ أَستارُ
وَخالَفنا في سكرِنا عِندَ نَحونا *** قَديمٌ عَليمٌ دائمُ العَفوِ جَبّارُ
سَجَدنا سُجودًا حينَ قالَ *** تَمَتّعوا بِرُؤيَتنا إِنّى أَنا لَكُم جارُ
فلسفة العشق والقهر عند السهروردي:
كان السهروردي أحيانًا يستبدل بالإشراق والمشاهدة فِعْلَى "العشق" و"القهر"، أى: (العشق به ينتظم الله الوجود صعودًا، وبالقهر ينتظمه نزولًا، والنفوس منطوية في قهر نورية العقول)(31).
فلسفة الإخصاب الروحي:
وكان من عادة السهرودي أن يفصل نظرياته ويشرحها عبر نصوص تبسيطية انطوت عليها رسائله الشهيرة، ومن بينها رسالة جناح جبريل التي يقول فيها:
(تسللت من دار النساء، وتفلتُّ من بعض أحزمة الأطفال ولفائفهم عند المساء، وكنت أحمل مشعلًا، فتوجهت إلى حراس قصر أمي، وعند بزوغ الفجر نازعتْني الرغبةُ إلى سرداب أبي، وهو ذو بابين، فدخلت في أحدهما، فعاينت عشرة شيوخ صُباح، من أين جاء هؤلاء السادة؟
قال أقربُهم: إننا قوم متجرِّدون أتينا من حيث لا مكان، فلم أفهم كلامه.
قلت: كيف تشتغلون؟
قال: بالخياطة، واعلمْ أنه ليس لنا زوج، لكن لكلٍّ منا ولدٌ ورحى تدور ولي أولادٌ كثر يعجز أمهر الحاسبين عن إحصائهم، ففي كل لحظة يتكوَّن لي عددٌ وافر منهم، فأرسل كلًّا إلى رحاه.
فقلت للشيخ: من أين جاءك هذا الإخصاب؟
قال: اعلم أني لي جارية حبشية لا أنظر إليها أبدًا، تجلس بين الأرحاء وهي تحدِّق في رحاها الخاصة، ورحاها تدور، وكلما اتَّجهتْ نحوي حدقةُ عين الصبية السوداء تكوَّن في حشاها ولدٌ منِّي، من دون أن تبدر عنى حركة أو يصيبنىي تغيُّر.
استوضحتُه كيفية هذا النظام.
قال: اعلم أن لي كلمات هي جزء من كلمته النورانية، بعضُها يقع فوق بعض، حتى اكتمال العدد)(32).
رابعًا: الإطار الشرعي لتقييم العشق الإلهي:

أ) موقف شيخ الإسلام ابن تيمية:
الناس في العشق على قولين، قيل: إنه من باب الإرادات، وهذا هو المشهور، وقيل: من باب التصورات، وإنه فساد في التخييل حيث يتصور المعشوق على غير ما هو به.
قال هؤلاء: ولهذا لا يوصف الله بالعشق ولا أنه يعشق لأنه منزه عن ذلك، ولا يحمد من يتخيل فيه خيالًا فاسدًا، وأما الأولون فمنهم من قال يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة والله يحب ويحب.
وروي في أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: لا يزال عبدي يتقرب إلي يعشقني وأعشقه، وهذا قول بعض الصوفية، والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ في حق الله لأن العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذي ينبغي، والله تعالى محبته لا نهاية لها، فليست تنتهي إلى حد لا تنبغي مجاوزته.
قال هؤلاء: والعشق مذموم مطلقًا لا يمدح في محبة الخالق ولا المخلوق؛ لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحدود، وأيضًا فإن لفظ العشق إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي، لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين، وهو مقرون كثيرًا بالفعل المحرم إما بمحبة امرأة أجنبية أو صبي يقترن به النظر(33).
ب) موقف الإمام الغزالي:
يُنبِّه الإمام الغزالي على أمر مهم بخصوص إنشاد الأشعار الوعظية التي تكني عن العشق الإلهي بالعشق المعروف بين الناس، فيقول رحمه الله تعالى: (وأما الأشعار فتكثيرها في المواعظ مذموم، قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 224-225]، وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
وأكثر ما اعتاده الوعاظ من الأشعار ما يتعلق بالتواصف في العشق وجمال المعشوق وروح الوصال وألم الفراق، والمجلس لا يحوي إلا أجلاف العوام وبواطنهم مشحونة بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات إلى الصور المليحة، فلا تحرك الأشعار من قلوبهم إلا ما هو مستكن فيها، فتشتعل فيها نيران الشهوات، فيزعقون ويتواجدون، وأكثر ذلك أو كله يرجع إلى نوع فساد فلا ينبغي أن يستعمل من الشعر إلا ما فيه موعظة أو حكمة على سبيل استشهاد واستئناس)(34).
_________________
(1) ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1980 م، مادة عشق، (5/ 2356).
(2) أبو البقاء الكفوي، الكليات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية)، مؤسسة الرسالة للنشر، بيروت، ط2، 1989م، 1419هـ، ص(398-399).
(3) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط4، 1425هـ، 2004م، مادة عشق، ص (603).
(4) الهجويري، كشف المحجوب، ترجمة د.إسعاد قنديل، دار النهضة بيروت، 1980م، ص (107).
(5) القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق د.عبد الحليم محمود، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1978م، (2/ 610).
(6) أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، دار الشعب، القاهرة، 1963م، ط1، (3/ 857).
(7) المرجع السابق.
(8) عبد الرزاق الكاشاني، كشف الوجوه الغر لمعاني نظم الدر، تحقيق أحمد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، ص(85).
(9) د.محمود حمدي زقزوق، الموسوعة الإسلامية العامة، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2003م، ص(494).
(10) المرجع السابق.
(11) المرجع السابق.
(12) الغزالي، إحياء علوم الدين، ص(858).
(13) ديوان ابن الفارض، تحقيق د.درويش الجويدي، المكتبة العصرية، بيروت، 2008م، ص (167).
(14) المرجع السابق.
(15) علي نجيب العطوي، ابن الفارض شاعر الغزل والحب الإلهي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1994م، ص(56).
(16) د.وفيق عبد السلام، الغرب والتصوف، دار الهداية، القاهرة، 2007م، ص (253).
(17) محمد أحمد درنيقة، معجم شعراء الحب الإلهي، دار الهلال، بيروت، 2003م، ط2، ص (371).
(18) المرجع السابق.
(19) المرجع السابق، ص (372).
(20) المرجع السابق، ص (373).
(21) المرجع السابق.
(22) المرجع السابق، ص (374).
(23) المرجع السابق.
(24) المرجع السابق، ص (375).
(25) المرجع السابق.
(26) عوارف المعارف للسهروردي، تحقيق د.عبد الحليم محمود، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط2، 2005م، ص(94).
(27) المرجع السابق.
(28) المرجع السابق، ص (93).
(29) المرجع السابق.
(30) المرجع السابق، ص (95).
(31) المرجع السابق.
(32) المرجع السابق، ص (96).
(33) شيخ الإسلام ابن تيمية، أمراض القلوب وشفاؤها، المطبعة السلفية، القاهرة، ط3، 1399هـ، ص (35).
(34) محمد الحسيني الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط2، 1994م، (3/ 879).