الجمعة, 2025-07-04, 8:40:37 PM
أهلاً بك ضيف | RSS

      محمد على قرون               

تصويتنا
قيم موقعي
مجموع الردود: 26
الدخول
الة حاسبة
احصائية
الوقت والتاريخ

مدونة

الرئيسية » 2012 » مايو » 11 » التصوف التركي.. السمات والآثار المجتمعية
3:25:24 PM
التصوف التركي.. السمات والآثار المجتمعية

التصوف التركي.. السمات والآثار المجتمعية

تركيا "الكمالية".. الصوفية لتكريس العلمانية

موقع الصوفية : مصطفى شفيق علام

تتجذر الطرق الصوفية في بنية المجتمع التركي منذ مئات السنين، وقد ظلت الصوفية في تركيا محافظة على وجودها بين أفراد وطبقات المجتمع، على الرغم من التحولات الفكرية الجذرية والمحطات التاريخية الفاصلة التي مرت بها الدولة التركية وخاصة في القرن العشرين، لاسيما مع سقوط الخلافة العثمانية وإلغائها رسميًّا عام 1924م، واتجاه تركيا "الكمالية" نحو تبني العلمنة المتطرفة التي تهدف إلى إبعاد الدين عن وجه الدولة والمجتمع والمجال العام وتهميشه إلى أقصى حد ممكن، بل ومحاربته والحد من مظاهره كذلك في الفضاء الخاص.

ولعل الناظر إلى طبيعة التدين في المجتمع التركي إبان الحقبة العثمانية يمكنه بسهولة أن يلمح آثار التصوف الواضحة فيه، إذ لم تكن الطرق الصوفية في تركيا مجرد جماعات سكونية منعزلة عن تفاعلات الواقع وسياقاته، بل إن العكس هو الصحيح، ومن ثَم فلا غرو إذًا أن تجد الكثيرين من بين مكونات النخبة التركية من العلماء والقضاة والأدباء والوزراء وغيرهم من ذوي الاتجاه الصوفي(1).

تركيا "الكمالية".. الصوفية لتكريس العلمانية

ولقد مرت الصوفية في تركيا، ما بعد العثمانية، بثلاثة مراحل مختلفة ومتباينة، ما بين الصعود، ومن ثم الهبوط، ثم الصعود مجددًا.

ففي المرحلة الأولى؛ والتي سبقت مرحلة سقوط الخلافة ومثلت الفترة التحضيرية لانقضاض الكماليين وأذنابهم، عبر جمعية الاتحاد والترقي المشبوهة على جسد الخلافة العثمانية الواهي، وإنشاء تركيا العلمانية على أنقاضها، تصدرت الطرق والجماعات الصوفية واجهة المشهد المجتمعي التركي، حيث استخدم مصطفى كمال أتاتورك فرق المتصوفة لتغيير نمط التدين الإسلامي الرسمي والشعبي السائد في البلاد(2).

وخلال هذه المرحلة تعاون أتاتورك وجماعته بشكل كبير مع الطرق الصوفية ضد مؤسسة الخلافة، بهدف تقليص الثقافة المجتمعية والمزاج الشعبي العام المؤيد لها، حيث سمح للمريدين ومشايخ الصوفية باحتلال مقاعد في أول مجلس للنواب التركي في أنقرة عام 1920م، ليصيروا بذلك نوابًا في المجلس أو "مبعوثين" كما كان يطلق عليهم آنذاك(3).

كما استخدم الكماليون شيوخ الطرق الصوفية لتعبئة الجماهير وحثهم على التضحية والجهاد فيما يعرف في التاريخ التركي بحرب الاستقلال ضد القوى الأوروبية، الأمر الذي حدا بواضعي دستور عام 1924م، الذي أسس لإلغاء الخلافة وكرس لبناء تركيا العلمانية، أن يتركوا الجماعات الصوفية وزواياها وتكاياها حرة من دون أي قيود دستورية أو قانونية.

بيد أن هذا الأمر لم يستمر طويلًا، إذا لم تلبث مرحلة الوفاق القصيرة بين الكماليين والمتصوفة أن تنقلب إلى عداء وقطيعة، ومن ثم بدأت المرحلة الثانية، مرحلة الهبوط والتضييق على الصوفية، فبعد أن استتب للكماليين الأمر في البلاد، انقلبوا على الطرق الصوفية وخشوا من زيادة نفوذها، واعتبروها تمثل تحديًا أساسيًّا لما يجب أن تكون عليه تركيا الحديثة، المنبتة الصلة عن كل ما هو ديني- إسلامي، حتى ولو بصبغته الصوفية الظاهرة.

وقد تذرع الكماليون بما عرف باسم ثورة الشيخ سعيد بيران –أحد شيوخ الزوايا- التي جرت خلال عام 1925م في محافظات الشرق والجنوب الشرقي، فأصدروا قوانين جديدة تقضي بحل الطرق الصوفية وحظرها(4)، واستتبع ذلك عملية إغلاق مقرات هذه الطرق، ومنع شيوخها ومريديها من القيام بأي من أنشطتها الطقوسية أو المجتمعية، فبدأت الحقبة السرية للطرق الصوفية في تركيا والتي استمرت حتى خمسينيات القرن الماضي.

الإنفراجة الصوفية .. والصعود مجدداً

ومع بداية التحولات في السياسة التركية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وزيادة المد الشيوعي في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وبعد فوز الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 1950م، بدأت تخف حدة التضييق والحصار على الطرق الصوفية وغيرها من التيارات الإسلامية في تركيا، وشيئًا فشيئًا أخذت العديد من تلك الطرق تخرج من نطاق السرية التي فرضتها عليها حقبة الحظر، لتمارس طقوسها ونشاطاتها بشكل شبه رسمي.

ولعل من أبرز الطرق التي استطاعت أن تحافظ على وجودها في المجتمع التركي وتعود إلى واجهة المشهد بقوة، على الرغم من فترات الحظر والمنع، الطريقة النقشبندية، والقادرية، والخلوتية، والعُشّاقية، والجراحية، والبكتاشية، والمولوية(5).

ويمكن القول إن النقشبندية هي أعرق الطرق الصوفية في تركيا، وأكبرها وأوسعها انتشارًا، ولها امتدادات في مجموعة من دول العالم الإسلامي(6).

النقشبندية .. طريقة النخبة التركية

وتعد الكثير من قطاعات النخب التركية نقشبندية الهوى بامتياز، حيث يعمد شيوخ ومريدو النقشبندية إلى تعزيز حضور الطريقة ونشرها في أوساط أساتذة الجامعات، وموظفي الدولة، وأبناء الطبقة الوسطى من التكنوقراط، وأصحاب المهن الحرة، هذا إلى جانب قطاعات من المثقفين، ورجال الأعمال، ورؤساء الأحزاب السياسية.

وقد كان للطريقة النقشبندية حضور لافت في سلسلة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي أسسها السياسي المخضرم نجم الدين أربكان، والذي يعد أحد أبرز مريدي النقشبندية من السياسيين الأتراك من ذوي الميول الإسلامية، ففي البداية كانت النقشبندية تدعم حزب النظام الوطني ثم حزب السلامة الوطني، ثم حزبي الرفاة والسعادة بعد ذلك.

ويمكن النظر – كذلك - إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ عام 2002م، باعتباره التجلي المعاصر لسلسلة الأحزاب الإسلامية المدعومة من قبل الطريقة النقشبندية(7)، حيث عمد تلامذة أربكان من زعماء حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم عبد الله جول ورجب طيب أردوغان، إلى استغلال الفضاءات الرحبة نسبيًّا أمام التيار الديني الصوفي، لتحقيق نجاحات سياسية لحزبهم داخليًّا ومن ثم لبلادهم خارجيًّا.

حيث إن بروز التدين بصورته المحلية الصوفية كان أولى لدى النخب العلمانية التركية والاتحاد الأوروبي من بروز صور تدين أخرى مستوردة من باكستان أو السعودية أو سواهما مما لا يمكن للنخب العلمانية التركية أو للاتحاد الأوروبي استيعابه بحال من الأحوال.

أنماط أخرى للتصوف .. المجتمعي قبل السياسي

وليست السمة السياسية لدى النقشبندية التركية هي الصيغة الوحيدة البارزة للصعود الصوفي في المشهد التركي المعاصر، إذ تبرز في الأفق طرق صوفية أخرى قد تكون أقل اشتغالًا بالسياسة، لكنها ليست أقل حضورًا وتأثيرًا في المجتمع، حيث تنتهج تلك الطرق العمل الخيري والمجتمعي عبر آلية "الوقف الخيري"، وهو ضرب من حبس المال عن الاستهلاك للانتفاع المتكرر به في وجه من وجوه البر(8)، وقد توسعت طرق صوفية تركية عدة، وأهمها؛ النورسية أو "النورجية"، والسليمانية في استخدام الوقف الخيري لأغراض تنموية مجتمعية بعيدًا عن أضواء السياسة وبريق الإعلام(9).

النورسية والسليمانية .. التعليمي والثقافي أولاً

وتُنسب جماعة النور أو النورسية أو النورجية – على تنوع في النسبة إليها - إلى الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي (1877م-1960م)، وتعد من أكثر الجماعات ذات النزعة الصوفية حضورًا وتأثيرًا في شرائح المجتمع التركي، بالأرياف والمدن ولها امتدادات خارج حدود الدولة التركية.

وقد تأسست هذه الجماعة بعد وفاة النورسي، حيث قام أتباعه بطبع رسائله المعروفة برسائل النور، التي تشكل الأساس النظري والمعرفي للجماعة، وتؤصل للبعد التربوي الذي كان يحث أتباعه على ضرورة ترسيخه وتعميقه باعتباره الأساس والمنطلق لأي عملية تغيير مجتمعي منشودة(10).

ولتحقيق تلك الغاية التربوية تستخدم النورسية الوقف الخيري كعملية تنموية لبناء الثروة الإنتاجية من خلال عملية استثمار حاضرة، تنظر بعين البر والإحسان للأجيال القادمة، وتقوم على التضحية الآنية بفرصة استهلاكية مقابل تعظيم الثروة الإنتاجية الاجتماعية، التي تعود خيراتها على مستقبل حياة المجتمع بكامله.

واستثمارًا لريع الوقف الخيري تعمل هذه الجماعة على تأسيس مدارس تربوية وتعليمية ذات مستوى تعليمي متميز داخل تركيا وخارجها، يستقطبون إليها أنبغ الطلاب، ويسهرون على تعليمهم، حتى إذا ما أصبحوا كوادر علمية متخصصة، انتفعوا وانتفع مجتمعهم من خبراتهم، وربما تمثل هذه المدرسة الصوفية خير تمثيل فرقة فتح الله كولن التي تمتلك شبكة كبيرة من أقوى المؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات، والمؤسسات الإعلامية من صحف ومحطات تلفزيونية وإذاعية داخل وخارج تركيا، كلها تعمل لأهداف تربوية وتعليمية لخدمة المجتمع(11).

وتكاملًا مع النهج النورسي، ولكن على المستوى الثقافي، تُولي الطريقة السليمانية(12)، وهي طريقة أسسها أحد شيوخ النقشبندية ويسمى سليمان حلمي تونهان، ولها حضور كبير داخل تركيا، وخارجها في أوروبا الغربية ولا سيما في ألمانيا ـ تُولي السليمانية أهمية خاصة للعمل العام في المجال الثقافي، حيث يستثمرون ريع الوقف الخيري المخصص لتكاياهم وزواياهم في تأسيس وإدارة عدد من المراكز الثقافية في تركيا، كما عملوا على تدشين مؤسسات ثقافية ذات بعد ديني موازية للمؤسسات الدينية التي تشرف عليها الدولة تعمل في مجال تسهيل الحج والعمرة وتحفيظ القرآن الكريم.

_______________________________________________________

1) من الكتب المهمة في هذا الإطار، والتي تجمع العديد من الدراسات بشأن تغلغل التصوف في المجتمع التركي العثماني، انظر: تكايا الدراويش: الصوفية والفنون والعمارة في تركيا العثمانية، رايموند ليفيشيز، ترجمة: عبلة عودة، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، 2011م.

2) شهادة أولية على الحالة الإسلامية في تركيا، وسام فؤاد، شبكة الراصد، على الرابط التالي: http://alrased.net/site/topics/view/702

3) الطرق الصوفية في تركيا: حماية الدين ومواجهة العلمانية، محمد باتوك، الجزيرة.نت، 3/11/2006م، على الرابط التالي: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/D47155C4-F881-48A6-91D3-B3011F4BF14E.htm

4) المرجع السابق.

5) لمزيد من المعلومات عن أشهر الطرق الصوفية في تركيا، انظر: ملف الصوفية في تركيا، شبكة التصوف الإسلامي، على الرابط التالي: http://www.islamic-sufism.com/article.php?id=1479

6) لمزيد من المعلومات بشأن نشأة وعقيدة النقشبندية، انظر: فرق ومذاهب "الطريقة النقشبندية"، مجلة الراصد، عدد 46، ربيع الثاني، 1428هـ، على الرابط التالي: http://alrased.net/site/topics/view/645

7) صعود الطرق الصوفية في تركيا العدالة والتنمية، نيكولا بيرش، مجلة المجلة، 25/9/2010م.

8) ملفات الجزيرة، "الوقف"، الجزيرة.نت، 12/12/2009م، على الرابط التالي: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/1BD7704E-1C7D-4B1B-A6C4-B63FE06E5A58.htm

9) لمزيد من المعلومات بشأن الدور الوقف الخيري وأنشطته المجتمعية في تركيا، انظر: حوار تحسين أوزجان مدير الوقف الخيري بإسطنبول، إسلام أونلاين.نت، 28/9/م2003، على الرابط التالي:

http://www.islamonline.net/i3/ContentServer?pagename=IslamOnline/i3LayoutA&c=OldArticle&cid=1179664528137

10) الإسلام الاجتماعي في تركيا: فتح الله كولن نموذجًا، أفراح ناثر جاسم، سلسلة بحوث مركز الدراسات الإقليمية، عدد 12، أكتوبر 2005م، ص(250-251).

11) مؤسسات المجتمع المدني في تركيا، سعد عبد المجيد، مجلة المنار الجديد، العدد 48، أكتوبر 2010م، ص(9).

12) حول الحركة الإسلامية في تركيا، محمد العادل، صحيفة الوسط التونسية، 13/12/2006م.

مشاهده: 476 | أضاف: kroon | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *:
بحث
التقويم
«  مايو 2012  »
إث ث أر خ ج س أح
 123456
78910111213
14151617181920
21222324252627
28293031
دردشة مصغرة
اليوم
 
Copyright MyCorp © 2025
استضافة مجانية - uCoz