الجمعة, 2025-07-04, 5:28:19 PM
أهلاً بك ضيف | RSS

      محمد على قرون               

تصويتنا
قيم موقعي
مجموع الردود: 26
الدخول
الة حاسبة
احصائية
الوقت والتاريخ

مدونة

الرئيسية » 2012 » مايو » 11 » ابن عربي ودلالات الاحتفاء الغرب
3:33:00 PM
ابن عربي ودلالات الاحتفاء الغرب

ابن عربي ودلالات الاحتفاء الغربي

يوسف البدري

 

الكتابة عن محي ابن عربي لا تبدو بالأمر السهل، فالرجل الذي ترك تراثًا مثيرًا للجدل يمتلئ بألوف الصفحات، وعاش ثمان وسبعين عامًا زاخرة بالحل والترحال بين مشارق الدنيا ومغاربها، حتى أطلق عليه الشيخ الأكبر، وارتبط تاريخه بأقوال عدها الكثيرون مفارقة لحظيرة الإسلام كونها تنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، بدأها بنبوءة غريبة مفادها (إذا دخلت السين في الشين فسيفتح قبر ابن عربي) وهو ما تحقق عام 1516م، عندما دخلت قوات السلطان العثماني سليم الأول الشام، حيث ذكر أن قوات السلطان عندما اقتحمت الشام واسقطت دولة المماليك بها اتجهت لقبره وأظهرته، وأقامت عليه مسجدًا ملحقًا به، في مواجهة قبر الأمير عبد القادر الجزائري، وهو أمر لا تعززه روايات ذات صدقية.

 

ورغم ما قيل عن اهتمام السلطان سليم الأول بابن عربي فإن علاقة الأخير بحكام المشرق والمغرب قد مرت بحالات جذب وشد، فقد احتفى به سلاطين الأندلس وقربوه إليهم، وإن كان هناك خلاف في تبرير هذا التقريب ما بين إجلال له أو سعي لضبط شطحاته العقدية، وهو ما تكرر في الشرق العربي، غير أن الاحتفاء الأقوى جاء من قبل ملوك الممالك المسيحية المجاورة للعالم الإسلامي، وعلى رأسهم ملك "كونيه كيكاوز"، والذي كان يخرج في استقباله واستشارته في شئون خاصة بالمملكة، وكأنه كان يفتح الباب على مصراعيه لتقدير غريب سنعود إليه تفصيلًا في السطور اللاحقة.

 

وقد ألف ابن عربي ما لا يقل عن 450 كتابًا، ذكر المستشرق الغربي "بروكلمان" 180 منها، فيما ذكرت باقي المؤلفات في مصنفات غربية ومعاجم أخرى تكشف حجم تقدير الغرب له، والذي لم يقتصر على الملوك والساسة، بل ظهر أيضًا في احتفاء المستشرقين الغربيين به، في مقدمتهم "بروكلمان" الذي حقق أغلب كتب ابن عربي ونقحها، في دراسات مؤصلة لفتت أنظار جميع المتخصصين في شئون المشرق العربي، وهو ما تلقفه المستشرق الأسباني "اسين بلاسيوس" الذي عكف لسنين طوال على دراسة كتبه ومؤلفاته وتاريخ حياته كما سردها ابن عربي، ثم تلاهم "نيكليسون" والمؤرخ الفرنسي "ماسيون"، وهو أمر لم يحظ به أي من الشخصيات العربية إلا أقل القليل ممن استهوى الغربيين لإلقاء الضوء عليهم ومحاولة تخليدهم واتخاذهم رموزًا فكرية لحقب بعينها.

 

واهتم مفكرون ومنظرون ومستشرقو الغرب كثيرًا بضلالات ابن عربي، وعملوا على إسباغ بعض القدسية عليها، وأنزلوه منزلة عالية في أمهات كتبهم ودوائر معارفهم، لاسيما زعمه أن الولاية أفضل من النبوة، حيث قال: (إذا كان محمد صلى الله عليه سلم هو خاتم الأنبياء؛ فأنا خاتم الأولياء، وإنني الوارث لكل ما عند خاتم الأنبياء من جهة الولاية وليس من جهة النبوة)، بل إنه حاول تكريس هذا التفوق بالإشارة إلى أن ما نزل عليه لم يكن من وحي عادي كرسولنا صلى الله عليه وسلم؛ بل من ملك الإلهام الذي يحدد إلى أي جهة يتحرك وأي سلوك ينحو.

 

ولم يُخف المستشرق "بوزن بلاسيوس" الأسباني تقديره الشديد لكتاب ابن عربي "الفتوحات المكية"، والذي زعم فيه أنه يوحى إليه من السماء، بل إنه ضم إليه عددًا من شطحاته الغريبة مثل: (معبودكم تحت قدمي)، وهو قول أطلقه ابن عربي في حشد جماهيري هاج وماج وغضب منه بشدة، مما أجبره على التراجع والتأكيد على أنه لم يكن يقصد إلا المال الذي "يعبده" الناس فيما لا يكترث هو به، وأردف بالقول: (ما الله إلا راهب في كنيستي).

 

ناهيك عن آرائه الشاذة فيما يتعلق بوحدة الوجود التي بدأت بالحلول والاتحاد عند الحلاج، وتطورت فيما بعد لدى ابن عربي لتضاف لشطحاته حول إيمان فرعون وقربه من الله، وهي أفكار كفرية بحسب إجماع الفقهاء والعلماء في مختلف العصور، غير أن طابعها الشاذ أوجد لها أذانًا صاغية لدى الغرب الذي حاول تخليدها، في مسعى لتذويب هوية المسلمين وإفساد عقيدتهم، وهي أمور تخالف ما ذهب إليه قرآننا الكريم وسنتنا النبوية وأبسط قواعد المنطق والفطرة الإنسانية.

 

وتكرر نفس الغرام الغربي بابن عربي فيما ردده من شطحات في كتابه "الدوائر"، حيث حاول حصر الذات الإلهية في إحدى الدائرة الكبرى، التي تتفرع منها دائرة أقل شأنًا تدعى الحضرة الملائكية، ثم دوائر أقل حجمًا للوجود والكون، وهي ضلالات اعتبرها "نيكليسون" سابقة لعصره بسنوات، بل نظر إليها كمسعى لتحرير العقل الإسلامي من الأفكار التي يصفها بالمتحجرة، بل إن الأمر وصل مداه بتصنيفه أستاذًا لـ"دانتي" صاحب "الكوميدا الإلهية"، والذي تبنى خلالها أسلوب ابن عربي، واستخدم نفس تعبيراته وأفكاره التي حملت تأثيرًا عظيمًا على مفكري عصر النهضة الأوروبيين.

 

ومن البديهي التأكيد أن هذه الضلالات العقدية والشرعية التي سخر ابن عربي حياته وجهده لتكريسها لم تجد آذانًا صاغية إلا لدى الغرب، الذي تبنى هذه الشطحات بقوة، وحمل مهمة نشرها وإعادة إنتاجها في ثوب جديد؛ لكي يستخدمها المستشرقون كحصان طروادة لنشر أجندتهم الخبيثة وفكرهم الضال بين ظهرانينا.

 

وقبل أن أسوق الحجج حول أسباب اهتمام واحتفاء الغرب بابن عربي؛ يجدر بي الإشارة هنا إلى معركة حامية الوطيس جرت أحداثها في سبعينات القرن الماضي، حينما سعت وزارة الثقافة المصرية لطبع كتاب الفتوحات المكية لابن عربي، وهنا انبريت دفاعًا عن عقيدتنا وديننا وعقول شبابنا التي يجري إفسادها عبر مخطط مستمر بفعل الفكر الصوفي الضال الذي كان ابن عربي أبرز رموزه، حيث تقدمت بمذكرة لرئيس المجلس "الغرفة الأولى من البرلمان" أوضحت فيها الافتراءات الفكرية والضلالات الصوفية التي يتضمنها هذا الكتاب، وحظيت بدعم من بعض أعضاء المجلس، ونجح المناوئون لهذا الفكر الضال في التصدي لهذه المؤامرة الممولة أوروبيًّا لتحريف عقول شبابنا.

 

وفي هذا السياق لا يجد مهتم بفكر وضلالات ابن عربي فضلًا عن أن يكون متخصصًا صعوبة في تفسير حالة الغرام الغربي بابن عربي، وإسباغ كل علامات التقدير والإجلال على فكره، سواء بالاهتمام بتراثه أو تخصيص كرسي لدراسات ابن عربي في كبريات الجامعات الأوروبية التي تمنح رسائل الدكتوراه والماجستير في هذا الفكر للطلاب النابهين، فالغرب لم يُخف يومًا ولعه بكل من يحاول هدم جدار في البناء الإسلامي المتماسك، وهذا ليس قديمًا فقط وفي زمن الغزوات الصليبية أو الاستعمارية، بل استمر حتى يومنا هذا، وإلا فبربكم كيف تفسرون إسباغه الحماية على كل من سلمان رشدي وتسليمه نصري ونصر حامد أبو زيد وغيرهم حتى الآن.

 

فقد رأى الغرب في ابن عربي رمزًا للهجوم على ثوابت ديننا الحنيف، وتجريف عقيدتنا الدينية، واستخدمه كرأس حربة للعدوان على منهج سلفنا الصالح، بزعم تزامنه مع عصر الإمام ابن تيمية ومناطحته له، بل وتشجيع الحملة على رموز الإسلام بالزعم بأن ابن عربي هو أول من فتح الباب على مصراعيه للإساءة للرسول صلى الله عليه سلم وليس أصحاب الرسوم المسيئة من مجرمي الدانمارك، بل إنهم وفي هذا الإطار اعتبروا أن كتاب "الفتوحات المكية" منزل على هذا المنفلت الصوفي من الله ـ تعالي الله عن ذلك علوًّا كبيرًا ـ كأنهم يسعون من وراء ذلك لإيجاد معادل للقرآن الكريم، وإعطاء شيء من الاعتبار لسعيهم لمسخ كتاب الله واستنساخه في "فرقانهم الجديد"، رغم مخالفة ذلك لقوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )[الحجر: 9].

 

ولم يتوقف الأمر عند الصعيد النظري، بل إن كبريات إرساليات التنصير الغربية لم تتورع في حملتها لتخريب عقيدة المسلمين عن طريق استخدام خرفات وتراهات ابن عربي في حملتها الشرسة على الحصون الإسلامية في القارتين الأفريقية والأسيوية، حيث تحولت لمادة خصبة لمنظمات الآباء والإخوان الدومنيكان والآباء اليسوعيين لطبع تراث ابن عربي وتوزيعه على الساحات المراد تنصيرها، كحلقة من مسلسل إفساد عقيدتهم وتذويب هويتهم.

 

رغم أن ترهات ابن عربي تبدو معقدة جدًّا، ومتخصص في الدراسات الصوفية بحجم عالم كبير كالدكتور مصطفي حلمي يجد صعوبة في فهمها، فما بالنا بالبسطاء والذين لايعرفون من إسلامنا إلا اسمه ومن قرآننا غير رسمه.

وفي النهاية تبقي كلمة مفادها أنه مهما تعددت مؤامرات الغرب واهتمامه وتقديره وتكريمه لأصحاب العقائد الفاسدة وفي الطليعة منهم ابن عربي، ومهما تصدر عراب الشطحات دوائر معارفهم، ومهما أخرجوا من تلخصيات موجزة لأفكاره؛ فستجد حالة من الصدود من جانب كل من تُعرض عليهم، وذلك لمجافاتها للفطرة الإنسانية وما استقر في أذهان المؤمنين من كتاب الله ورسوله، بل إنني أقول بيقين كبير: إن هذا الاحتفاء لن يهز شعرة في لحية رجل مسلم، مصداقًا لقوله تعالى: ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) [الرعد: 17].

مشاهده: 303 | أضاف: kroon | الترتيب: 0.0/0
مجموع المقالات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *:
بحث
التقويم
«  مايو 2012  »
إث ث أر خ ج س أح
 123456
78910111213
14151617181920
21222324252627
28293031
دردشة مصغرة
اليوم
 
Copyright MyCorp © 2025
استضافة مجانية - uCoz